الملم المغيث في علم الحديث [الجزء السادس]
02/11/12, 03:39 pm
الملم المغيث في علم الحديث [الجزء السادس]
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية السند والمتن عند المحدثين:
1. أهمية السند عند المحدثين:
كما أسلفنا وبينا سابقا أن السند مقدم عند المحدثين على المتن دون إهمال المتن طبعا، إلا من شذ عن جمهور الأمة؛اهـ
فالسند هو الإثبات القطعي عند المحدثين على نسبة متن الحديث الشريف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من الدين بالاستنباط من الإشارة لا بصريح العبارة ..
يقول بذلك عبد الله بن المبارك: ( الإسناد من الدين، ولولا الإسناد، لقال من شاء؛ ما شاء )، انظر في "شرح مسلم" للنووي [ج1/ص: 87 – 88]، وفي "علل الترمذي" لأبي عيسى الترمذي [ج9/ص: 438]، وفي " الجرح والتعديل" للرازي [ج1/ص: 16]، وفي "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 331]ن وفي "علوم الحديث" لابن الصلاح [ج1/ص: 256]؛اهـ
وفي رواية أخرى لابن المبارك: ( مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 331]؛ اهـ
ويقول فقيه الشعراء وشاعر الفقهاء فقيه السنة الأكبر الإمام الشافعي: ( مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 331]؛ اهـ
ويقول الإمام الثوري: (الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل ؟ )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 331]؛ اهـ
ويقول محمد بن حاتم بن المظفر: ( إن الله قد أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، إنما هو صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 330]؛ اهـ
وقال أبو بكر محمد بن أحمد: ( بلغني أن الله خص هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها : الإسناد والأنساب والإعراب )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 330]؛ اهـ
ويستنبط هذا المفهوم أعني الإسناد للنص من قبل الفقهاء في قوله تعالى: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )[الزخرف : 44]، فقد قال الإمام مالك بذلك: ( هو قول الرجل: حدثني أبي عند جدي )، ورد في "تفسير القرطبي" للقرطبي [ج16/ص: 93]؛اهـ
ووفق ما ثبتت صحته برواية ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( نَضَّرَ اللَّهُ امرءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَها، ثُمَّ أَدَاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لا فِقْهَ لَهُ، وَرُبُّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ)، رواه الدارمي في "سننه" [ج1/ص: 80/ر:232]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج5/ص: 35/ر:16296]، ورواه الحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 162/ر:294]، وقال بحكمه: [هذا حديث صحيح، على شرط الشيخين]؛اهـ
فالسند سنة حسنة استنبطت من الدين، لم يعمل بها عند السلف إلا بأواخر القرن الهجري الأول، أي كانت من عمل التابعين، وذلك بتوجيه من الخليفة الراشدي الخامس "عمر بن عبد العزيز" رضي الله عنه: فقد كتب إلى الآفاق قائلا: ( انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاجمعوه )، ورد في "عمدة القاري" للعيني [ج2/ص: 129]، وورد في "تغليق التعليق" للعسقلاني الحافظ ابن حجر زيادة تتبع قوله الأول: ( فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء )؛اهـ
وكان ذلك بعد عام ثمانين هجرية؛اهـ
كان أول من صنف الحديث هو الفقيه المحدث التابعي الكبير "ابن شهاب الزهري"، و"الربيع بن صبيح"، وسعيد بن أبي عروبة" وغيرهم من الثقات، يقول الإمام مالك: ( أول من دون العلم ابن شهاب )، ورد في "حلية الأولياء" لأبو نعيم [ج3/ص: 362/ر:248]، وقال مالك بن أنس: ( ما أدركت فقيها محدثا غير واحد فقلت من هو فقال: ابن شهاب الزهري )، ورد في "الطبقات الكبرى" لابن سعد [ج2/ص: 388]، وفي "صفة الصفوة" لابن الجوزي [ج2/ص: 136/ر:178]؛ وقال: ( إن هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، والله لقد أدركت هاهنا [وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم] سبعين رجلا كلهم يقول قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فلم آخذ عن أحد منهم حرفا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ولقد قدم علينا محمد بن شهاب الزهري وهو شاب فازدحمنا على بابه لأنه كان من أهل هذا الشأن )، ورد في "صفة الصفوة" لابن الجوزي [ج2/ص: 136/ر:178]، وفي مقدمة "التمهيد" للقرطبي ابن عبد البر؛اهـ
وقال عمرو بن دينار: ( ما رأيت أحدا أبصر للحديث من ابن شهاب )، ورد في "الحلية" لأبو نعيم [ج3/ص: 360/ر:248]؛اهـ
ثم كان أول تصريح لأول جمع مدون متخصص في زمن الخليفة العباسي "أبو جعفر المنصور" وكان بزيارة للمدينة المنورة بعد انقضاء الحج حيث أوكل ذلك للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، إمام دار الهجرة، فكان كتاب "موطأ مالك" أول ما كتب أو أول ما صنف بالحديث وجمع به آثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وآثار صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وقيل صنف به أكثر من ثمانون ألف أثر ..
وربما يكون هذا وراء انتشار العبارة الشهيرة: ( لولا مالك لكان الدين هالك )؛اهـ
وللعسقلاني الحافظ ابن حجر في مقدمة "فاتح الباري" قول يقول فيه: ( أعلم أن آثار النبي لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبه لأمرين:
أحدهما أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم..
وثانيهما لسعة حفظهم وسيلان أذهابهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار ..
فأول من جمع ذلك "الربيع بن صبيح" و"سعيد بن أبي عروبة" وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام فصنف الإمام مالك "الموطأ"، وتوخي فيه القوى من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريح بمكة وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بالشام وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي خاصة وذلك على رأس المائتين فصنف عبيد الله ابن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا وصنف أسد بن موسى الأموي سندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا )، ورد في "فتح الباري" لابن حجر [ج1/ص: 4]؛اهـ
والمحدثين جزاهم الله خيرا أهل اختصاص بجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتوثيقه، وهم محقين بذلك لأن متن الحديث وإن صح بمعناه، لا يقتضي أن ينسب تصريحا لمنتهاه النبوي، إلا بسند متصل يثبت ذلك توثيقا، حتى ولو كان من لحن بلاغة الحديث النبوي ونهج نوره، فنقول هو من نهج النبوة التماسا لا تصريحا ما لم يصح سنده، لأن كل ما هو صدق وحق فمنشأه مشكاة النبوة نسبا دون تصريح لفظي بذلك، أي بصحة المعنى فقط بموافقة منهاج السنة، أما ما هو باطل فينفى نسبه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو صح سنده لأنه صح على باطل فهو باطل؛اهـ
وللمتن عند المحدثين أهمية تكاد لا تقل عن أهمية السند، فإنهم قد يحكمون بضعف الحديث وحتى وضعه ببعض الأحيان مع صحة السند، إذا ما فسد معناه بالمخالفة، أو ركاكة لفظه بالمقارنة بوحي الخبرة عند جهابذة المحدثين، أو كان فحوى متنه مناقضا لما ثبت قطعا بالقرآن ومن السنة الشريفة المتواترة..
وأن يكون موافق للحق المبين: فكل حديث يشتمل على فساد أو ظلم أو عبث أو مدح باطل لا يوافق الحقيقة فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم برئ؛ انظر في "المنار المنيف" لابن القيم [ص: 56 – 57]؛اهـ
أو يكون منافي لصريح العقل، أو يستحيل أن يقبل عقلا، كأن يكون بأمر جسيم، كما ورد بالأخبار عن الإمام علي كرم الله وجهه، برفعه لباب حصن خيبر اتخاذه درعا رغم أنه كان رضي الله عنه كان مربوعا لا بالطويل ولا بالقصير، فكيف اتخذه ترس له وكيف وضعه أمامه وتجول به، أو مثال ارتداد الشمس له حتى لا يفوت صلاة العصر، وهو من أحرص كبار الصحابة على لزوم الصلاة على وقتها وهي سمة كل مؤمن لقوله تعالى: ( إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ) [النساء : 103]؛اهـ
وهذا إن صح له فهو من باب بركة الزمن لا أكثر، أي انقضى ما يشغله بوقت قصير بتيسير من الله عز و وجل ..
فهذا التضخيم المفرط لا يقبل بالعقل الصريح ولو من باب الكرامة للمؤمن ..
أو يكون فيه إفراط بالوعد والوعيد لما هو هين حقير من لأعمال ..
أما عند الفقهاء والأصوليين فيقدم ثبوت صحة المتن، على صحة السند، إذا ما وافق عرف الشريعة السمحة العام عند الفقهاء، أو وافق ثوابت أصول العقائد عند الأصوليين، وأمر طبيعي عند غير أهل الاختصاص بعلم الحديث، لأنهم أهل المعاني ومضمون المتن لا أهل السند والتوثيق النقل كما هو الحال عند المحدثين ..
وجهابذة المحدثين وكبار الفقهاء والأصوليين المتحققين، لا ينكرون أذواق الأئمة المتقين بالحديث الشريف، فيقولون أحيانا أن هذا الحديث لا تألفه وتطمئن له القلوب، أو هذا الحديث عليه ظلمة، أو ينكره القلب السليم، أو متنه مظلم، وهي من قواعد الفقهاء المجتهدين والأصوليين المتحققين بالحديث أيضا، إذا أنهم يردون الحديث الذي لا يتوافق مع الفطرة الإيمانية السليمة؛اهـ
يقول الحافظ ابن كثير: ( إن من الأحاديث الروية، ما عليه من أنوار النبوة، ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ، أو زياد باطلة، أو مجازفة أو نحو ذلك يدركها البصير من أهل هذه الصناعة )، ورد في "اختصار الحديث" لابن كثير [ص: 53]؛اهـ
وفي ما تقدم بيان أن المحدثين كما اهتموا بتوثيق السند، اهتموا بالمتون وصحتها، دون تقديم ذلك على ما اختصوا به وهو علم السند؛اهـ
وتهمة المستشرق الماسوني [البناء] "غاستون ويت"، للمحدثين، بقوله: ( لقد نقل الرواة حديث الرسول مشافهة، ثم جمعه الحفاظ ودونه، إلا أن هؤلاء لم ينقدوا المتن، لذلك لسنا متأكدين من أن الحديث وصلنا كما هو عن رسول الله من غير أن يضيف إليه الرواة شيئا عن حسن نية في أثناء روايتهم للحديث )، ورد في "تاريخ الديانات" لغاستون [ص: 366]؛اهـ
والحق أن هذا ما يسمى بدس السم بالدسم، لأن قبول الحديث من حيث الصحة اعتبارا، من اختصاص المحدثين، أما ترجيح العمل به في مجال الأحكام الشرعية فهو من اختصاص الفقهاء، ومجال أصول العقائد من اختصاص الأصوليين، وكلام هذا المستشرق لا يراد به إلا الفتنة وتفرقة علماء الأمة؛اهـ
ومن الأمثلة على الأحاديث الصحيحة الإسناد التي خرجها نخبة من جهابذة المحدثين، وثقات الرواية :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ [ثقة]، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ [ثقة حافظ فقيه إمام حجة وربما دلس] ، عَنْ الْأَعْمَشِ [ثقة حافظ]، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي [ثقة]، عَنْ الْأَسْوَدِ النخعي [مخضرم ثقة مكثر فقيه] ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ( تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ )، ورواه الشيخان في الصحيحين؛ البخاري [ج3/ص: 1068/ر:2759]، ومسلم [ج11/ص: 40/ر: 4090]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج7/ص: 349/ر:4665]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح النسائي" [ر:4665]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج2/ص: 368/ر:2438]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:1992]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج1/ص: 596/ر:3399]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق أحمد شاكر في "المسند" [ج5/ص: 137]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..
عَنْ حُذَيْفَةَ بن اليمان رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( (( لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ )) ، قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: (( يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ )) )، ورواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 453/ر:2254]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2254]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج3/ص: 424/ر:4016]، بإسناد حسن؛ بتحقيق الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:3259]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ الْمَازِنِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ( اطْلُبُوا الْحَوَائِجَ بِعِزَّةِ الأَنْفُسِ ، فَإِنَّ الأُمُورَ تَجْرِي بِالْمَقَادِيرِ )، رواه السيوطي في "الجامع الصغير" [ج7/ص: 273/ر:2826]، ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" [ج53/ص: 70/ر:22009]، ورواه العجلوني في "كشف الخفاء" [ج1/ص: 139/ر:399]، وحكمه: مقبول معتبر لأنه في الفضائل؛ اهـ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ( اطْلُبُوا الْحَوَائِجَ إِلَى ذَوِي الرَّحْمَةِ مِنْ أُمَّتِي، تُرْزَقُوا وَتَنْجَحُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (( رَحْمَتِي فِي ذَوِي الرَّحْمَةِ مِنْ عِبَادِي ))، وَلا تَطْلُبُوا الْحَوَائِجَ عِنْدَ الْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ فَلا تُرْزَقُوا وَلا تَنْجَحُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (( إِنَّ سَخَطِي فِيهِمْ )) )، رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" [ج43/ص: 5/ر:17945]، ورواه السيوطي في "الجامع الصغير" [ج7/ص: 272/ر:2825]، وحكمه: مقبول معتبر لأنه في الفضائل؛ اهـ
هذا المتن مردود لسببين:
الأول: أنه ليس من عزة المؤمن أن يشكو فاقته ويظهر حاجته ليهودي كافر، وذلك من باب الاستحالة العقلية، والمخالفة النقلية:
يقول الإمام علي كرم الله وجهه: ( مَنْ شَكَا الْحَاجَةَ إِلَى مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّهُ شَكَاهَا إِلَى اللهِ، وَمَنْ شَكَاهَا إلَى كَافِرٍ فَكَأَنَّمَا شَكَا اللهَ )، ورد في "نهج البلاغة" للإمام علي [ج4/ص: 884/ح:417]؛اهـ
ومصداق ذلك قوله تعالى: ( .... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [المنافقون : 8] ..
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما قال : ( يا غلام، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف )، رواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 575/ر:2516]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2516]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج1/ص: 482/ر:2664]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق أحمد شاكر في "المسند" [ج4/ص: 233]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج1/ص: 355]، وابن خزيمة في "صحيحة" [ج3/ص: 134/ر: 1771]، ورواه البيهقي [5957] في "السنن الكبرى" [ج4/ص: 485]، وخلاصة الحكم : [صحيح] ..
وليس من الشرع بشيء أن يرهن رهن أو يؤخذ قرض من مرابي فاليهود لا يقرضون إلا بالربا ..
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَة رضي الله عنه, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ( دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ , أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً )، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج6/ص: 296/ر:21450]، بإسناد متصل ورجال ثقات، رواه المنذري في "الترغيب" [ج3/ص: 68]، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح؛ ورواه الهيثمي في "الزوائد" [ج4/ص: 120]، وقال: رجاله رجال الصحيح؛ وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" [ر:1855]، ورواه السيوطي في " الجامع الصغير" [ر:4193]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الجامع" [ر:3375]، ورواه الألباني في "الصحيحة" [ج3/ص: 29/ر:1033]، بإسناد صحيح؛ وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَكَاتِبَهُ )، رواه مسلم في "صحيحة" [ج11/ص: 28/ر:4068]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 264/ر:3333]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3333]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 512/ر:1206]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:1206]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج8/ص: 524/ر:5117]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح النسائي" [ر:5117]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج2/ص: 35/ر:4315]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق أحمد شاكر في "المسند" [ج5/ص: 278]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
الثاني: أنه عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن في المدينة المنورة أي يهودي فقد أجلاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عنها، ومن أي يهودي اقترض أو رهن عنده ..
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَكَانَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، ( وَكَانَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ يَهْجُو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا أَخْلَاطٌ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ وَالْيَهُودُ ، وَكَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ بِالصَّبْرِ وَالْعَفْوِ فَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ : (( وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ )) سورة آل عمران آية 186 الْآيَةَ ، فَلَمَّا أَبَى كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَنْ يَبْعَثَ رَهْطًا يَقْتُلُونَهُ ، فَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَذَكَرَ قِصَّةَ قَتْلِهِ ، فَلَمَّا قَتَلُوهُ فَزَعَتْ الْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ فَغَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : طُرِقَ صَاحِبُنَا فَقُتِلَ، فَذَكَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ : وَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ كِتَابًا يَنْتَهُونَ إِلَى مَا فِيهِ ، فَكَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً صَحِيفَةً )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 196/ر:3000]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3000]، وحكمه: [صحيح] ..
والروايتين الصائبتين بالسند والمتن هما:
عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: ( تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ بِعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَخَذَهُ لِأَهْلِهِ )، رواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 519/ر:1214]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:1214]، وحكمه: [صحيح] ..
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ، وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: مَا أَصْبَحَ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا صَاعٌ ، وَلَا أَمْسَى، وَإِنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ )، رواه البخاري في "صحيحة" [ج2/ص: 887/ر:2373]، وحكمه: [صحيح] ..
وعلة رهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لدرعه عند أحد الصحابة المقتدرين، أنه كان مفوض لا يدخر مالا، ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر، لأن عرف الأنبياء عدم الادخار فكان عندما يأتيه الفيء والأنفال، ينفقها عن أخرها ويوزعها على صحابته بالعدل، ولا يترك لأهله إلا كفاية على قدر الحاجة، وعندما قاربت منيته ولى أموال الزكاة والصدقات والغنائم الإمام علي كرم الله وجهه، فالأنبياء لا يورثون، فعندما قاربت منيته كان يرهن أغراضه ويحولها إلى كلئ لأن الأنبياء لا يورثون ..
وكان رسول الله جواداً وكان أجود ما يكون في رمضان فهو كالريح المرسلة ..
عن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهماُ، قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ )، رواه الشيخين في الصحيحين؛ البخاري [ج1/ص: 6/ر:6]، ومسلم [ج15/ص: 68/ر:5964]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج4/ص: 430/ر:2094]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح النسائي" [ر:2094]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج1/ص: 475/ر:2611]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق أحمد شاكر في " المسند" [ج5/ص: 143]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية السند والمتن عند المحدثين:
1. أهمية السند عند المحدثين:
كما أسلفنا وبينا سابقا أن السند مقدم عند المحدثين على المتن دون إهمال المتن طبعا، إلا من شذ عن جمهور الأمة؛اهـ
فالسند هو الإثبات القطعي عند المحدثين على نسبة متن الحديث الشريف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من الدين بالاستنباط من الإشارة لا بصريح العبارة ..
يقول بذلك عبد الله بن المبارك: ( الإسناد من الدين، ولولا الإسناد، لقال من شاء؛ ما شاء )، انظر في "شرح مسلم" للنووي [ج1/ص: 87 – 88]، وفي "علل الترمذي" لأبي عيسى الترمذي [ج9/ص: 438]، وفي " الجرح والتعديل" للرازي [ج1/ص: 16]، وفي "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 331]ن وفي "علوم الحديث" لابن الصلاح [ج1/ص: 256]؛اهـ
وفي رواية أخرى لابن المبارك: ( مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 331]؛ اهـ
ويقول فقيه الشعراء وشاعر الفقهاء فقيه السنة الأكبر الإمام الشافعي: ( مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 331]؛ اهـ
ويقول الإمام الثوري: (الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل ؟ )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 331]؛ اهـ
ويقول محمد بن حاتم بن المظفر: ( إن الله قد أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، إنما هو صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 330]؛ اهـ
وقال أبو بكر محمد بن أحمد: ( بلغني أن الله خص هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها : الإسناد والأنساب والإعراب )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج3/ص: 330]؛ اهـ
ويستنبط هذا المفهوم أعني الإسناد للنص من قبل الفقهاء في قوله تعالى: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )[الزخرف : 44]، فقد قال الإمام مالك بذلك: ( هو قول الرجل: حدثني أبي عند جدي )، ورد في "تفسير القرطبي" للقرطبي [ج16/ص: 93]؛اهـ
ووفق ما ثبتت صحته برواية ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( نَضَّرَ اللَّهُ امرءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَها، ثُمَّ أَدَاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لا فِقْهَ لَهُ، وَرُبُّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ)، رواه الدارمي في "سننه" [ج1/ص: 80/ر:232]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج5/ص: 35/ر:16296]، ورواه الحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 162/ر:294]، وقال بحكمه: [هذا حديث صحيح، على شرط الشيخين]؛اهـ
فالسند سنة حسنة استنبطت من الدين، لم يعمل بها عند السلف إلا بأواخر القرن الهجري الأول، أي كانت من عمل التابعين، وذلك بتوجيه من الخليفة الراشدي الخامس "عمر بن عبد العزيز" رضي الله عنه: فقد كتب إلى الآفاق قائلا: ( انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاجمعوه )، ورد في "عمدة القاري" للعيني [ج2/ص: 129]، وورد في "تغليق التعليق" للعسقلاني الحافظ ابن حجر زيادة تتبع قوله الأول: ( فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء )؛اهـ
وكان ذلك بعد عام ثمانين هجرية؛اهـ
كان أول من صنف الحديث هو الفقيه المحدث التابعي الكبير "ابن شهاب الزهري"، و"الربيع بن صبيح"، وسعيد بن أبي عروبة" وغيرهم من الثقات، يقول الإمام مالك: ( أول من دون العلم ابن شهاب )، ورد في "حلية الأولياء" لأبو نعيم [ج3/ص: 362/ر:248]، وقال مالك بن أنس: ( ما أدركت فقيها محدثا غير واحد فقلت من هو فقال: ابن شهاب الزهري )، ورد في "الطبقات الكبرى" لابن سعد [ج2/ص: 388]، وفي "صفة الصفوة" لابن الجوزي [ج2/ص: 136/ر:178]؛ وقال: ( إن هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، والله لقد أدركت هاهنا [وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم] سبعين رجلا كلهم يقول قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فلم آخذ عن أحد منهم حرفا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ولقد قدم علينا محمد بن شهاب الزهري وهو شاب فازدحمنا على بابه لأنه كان من أهل هذا الشأن )، ورد في "صفة الصفوة" لابن الجوزي [ج2/ص: 136/ر:178]، وفي مقدمة "التمهيد" للقرطبي ابن عبد البر؛اهـ
وقال عمرو بن دينار: ( ما رأيت أحدا أبصر للحديث من ابن شهاب )، ورد في "الحلية" لأبو نعيم [ج3/ص: 360/ر:248]؛اهـ
ثم كان أول تصريح لأول جمع مدون متخصص في زمن الخليفة العباسي "أبو جعفر المنصور" وكان بزيارة للمدينة المنورة بعد انقضاء الحج حيث أوكل ذلك للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، إمام دار الهجرة، فكان كتاب "موطأ مالك" أول ما كتب أو أول ما صنف بالحديث وجمع به آثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وآثار صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وقيل صنف به أكثر من ثمانون ألف أثر ..
وربما يكون هذا وراء انتشار العبارة الشهيرة: ( لولا مالك لكان الدين هالك )؛اهـ
وللعسقلاني الحافظ ابن حجر في مقدمة "فاتح الباري" قول يقول فيه: ( أعلم أن آثار النبي لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبه لأمرين:
أحدهما أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم..
وثانيهما لسعة حفظهم وسيلان أذهابهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار ..
فأول من جمع ذلك "الربيع بن صبيح" و"سعيد بن أبي عروبة" وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام فصنف الإمام مالك "الموطأ"، وتوخي فيه القوى من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريح بمكة وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بالشام وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي خاصة وذلك على رأس المائتين فصنف عبيد الله ابن موسى العبسي الكوفي مسندا وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا وصنف أسد بن موسى الأموي سندا وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا )، ورد في "فتح الباري" لابن حجر [ج1/ص: 4]؛اهـ
والمحدثين جزاهم الله خيرا أهل اختصاص بجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتوثيقه، وهم محقين بذلك لأن متن الحديث وإن صح بمعناه، لا يقتضي أن ينسب تصريحا لمنتهاه النبوي، إلا بسند متصل يثبت ذلك توثيقا، حتى ولو كان من لحن بلاغة الحديث النبوي ونهج نوره، فنقول هو من نهج النبوة التماسا لا تصريحا ما لم يصح سنده، لأن كل ما هو صدق وحق فمنشأه مشكاة النبوة نسبا دون تصريح لفظي بذلك، أي بصحة المعنى فقط بموافقة منهاج السنة، أما ما هو باطل فينفى نسبه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو صح سنده لأنه صح على باطل فهو باطل؛اهـ
وللمتن عند المحدثين أهمية تكاد لا تقل عن أهمية السند، فإنهم قد يحكمون بضعف الحديث وحتى وضعه ببعض الأحيان مع صحة السند، إذا ما فسد معناه بالمخالفة، أو ركاكة لفظه بالمقارنة بوحي الخبرة عند جهابذة المحدثين، أو كان فحوى متنه مناقضا لما ثبت قطعا بالقرآن ومن السنة الشريفة المتواترة..
وأن يكون موافق للحق المبين: فكل حديث يشتمل على فساد أو ظلم أو عبث أو مدح باطل لا يوافق الحقيقة فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم برئ؛ انظر في "المنار المنيف" لابن القيم [ص: 56 – 57]؛اهـ
أو يكون منافي لصريح العقل، أو يستحيل أن يقبل عقلا، كأن يكون بأمر جسيم، كما ورد بالأخبار عن الإمام علي كرم الله وجهه، برفعه لباب حصن خيبر اتخاذه درعا رغم أنه كان رضي الله عنه كان مربوعا لا بالطويل ولا بالقصير، فكيف اتخذه ترس له وكيف وضعه أمامه وتجول به، أو مثال ارتداد الشمس له حتى لا يفوت صلاة العصر، وهو من أحرص كبار الصحابة على لزوم الصلاة على وقتها وهي سمة كل مؤمن لقوله تعالى: ( إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ) [النساء : 103]؛اهـ
وهذا إن صح له فهو من باب بركة الزمن لا أكثر، أي انقضى ما يشغله بوقت قصير بتيسير من الله عز و وجل ..
فهذا التضخيم المفرط لا يقبل بالعقل الصريح ولو من باب الكرامة للمؤمن ..
أو يكون فيه إفراط بالوعد والوعيد لما هو هين حقير من لأعمال ..
أما عند الفقهاء والأصوليين فيقدم ثبوت صحة المتن، على صحة السند، إذا ما وافق عرف الشريعة السمحة العام عند الفقهاء، أو وافق ثوابت أصول العقائد عند الأصوليين، وأمر طبيعي عند غير أهل الاختصاص بعلم الحديث، لأنهم أهل المعاني ومضمون المتن لا أهل السند والتوثيق النقل كما هو الحال عند المحدثين ..
وجهابذة المحدثين وكبار الفقهاء والأصوليين المتحققين، لا ينكرون أذواق الأئمة المتقين بالحديث الشريف، فيقولون أحيانا أن هذا الحديث لا تألفه وتطمئن له القلوب، أو هذا الحديث عليه ظلمة، أو ينكره القلب السليم، أو متنه مظلم، وهي من قواعد الفقهاء المجتهدين والأصوليين المتحققين بالحديث أيضا، إذا أنهم يردون الحديث الذي لا يتوافق مع الفطرة الإيمانية السليمة؛اهـ
يقول الحافظ ابن كثير: ( إن من الأحاديث الروية، ما عليه من أنوار النبوة، ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ، أو زياد باطلة، أو مجازفة أو نحو ذلك يدركها البصير من أهل هذه الصناعة )، ورد في "اختصار الحديث" لابن كثير [ص: 53]؛اهـ
وفي ما تقدم بيان أن المحدثين كما اهتموا بتوثيق السند، اهتموا بالمتون وصحتها، دون تقديم ذلك على ما اختصوا به وهو علم السند؛اهـ
وتهمة المستشرق الماسوني [البناء] "غاستون ويت"، للمحدثين، بقوله: ( لقد نقل الرواة حديث الرسول مشافهة، ثم جمعه الحفاظ ودونه، إلا أن هؤلاء لم ينقدوا المتن، لذلك لسنا متأكدين من أن الحديث وصلنا كما هو عن رسول الله من غير أن يضيف إليه الرواة شيئا عن حسن نية في أثناء روايتهم للحديث )، ورد في "تاريخ الديانات" لغاستون [ص: 366]؛اهـ
والحق أن هذا ما يسمى بدس السم بالدسم، لأن قبول الحديث من حيث الصحة اعتبارا، من اختصاص المحدثين، أما ترجيح العمل به في مجال الأحكام الشرعية فهو من اختصاص الفقهاء، ومجال أصول العقائد من اختصاص الأصوليين، وكلام هذا المستشرق لا يراد به إلا الفتنة وتفرقة علماء الأمة؛اهـ
ومن الأمثلة على الأحاديث الصحيحة الإسناد التي خرجها نخبة من جهابذة المحدثين، وثقات الرواية :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ [ثقة]، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ [ثقة حافظ فقيه إمام حجة وربما دلس] ، عَنْ الْأَعْمَشِ [ثقة حافظ]، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي [ثقة]، عَنْ الْأَسْوَدِ النخعي [مخضرم ثقة مكثر فقيه] ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ( تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ )، ورواه الشيخان في الصحيحين؛ البخاري [ج3/ص: 1068/ر:2759]، ومسلم [ج11/ص: 40/ر: 4090]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج7/ص: 349/ر:4665]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح النسائي" [ر:4665]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج2/ص: 368/ر:2438]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:1992]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج1/ص: 596/ر:3399]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق أحمد شاكر في "المسند" [ج5/ص: 137]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..
عَنْ حُذَيْفَةَ بن اليمان رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( (( لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ )) ، قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: (( يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ )) )، ورواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 453/ر:2254]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2254]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج3/ص: 424/ر:4016]، بإسناد حسن؛ بتحقيق الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:3259]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ الْمَازِنِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ( اطْلُبُوا الْحَوَائِجَ بِعِزَّةِ الأَنْفُسِ ، فَإِنَّ الأُمُورَ تَجْرِي بِالْمَقَادِيرِ )، رواه السيوطي في "الجامع الصغير" [ج7/ص: 273/ر:2826]، ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" [ج53/ص: 70/ر:22009]، ورواه العجلوني في "كشف الخفاء" [ج1/ص: 139/ر:399]، وحكمه: مقبول معتبر لأنه في الفضائل؛ اهـ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ( اطْلُبُوا الْحَوَائِجَ إِلَى ذَوِي الرَّحْمَةِ مِنْ أُمَّتِي، تُرْزَقُوا وَتَنْجَحُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (( رَحْمَتِي فِي ذَوِي الرَّحْمَةِ مِنْ عِبَادِي ))، وَلا تَطْلُبُوا الْحَوَائِجَ عِنْدَ الْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ فَلا تُرْزَقُوا وَلا تَنْجَحُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (( إِنَّ سَخَطِي فِيهِمْ )) )، رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" [ج43/ص: 5/ر:17945]، ورواه السيوطي في "الجامع الصغير" [ج7/ص: 272/ر:2825]، وحكمه: مقبول معتبر لأنه في الفضائل؛ اهـ
هذا المتن مردود لسببين:
الأول: أنه ليس من عزة المؤمن أن يشكو فاقته ويظهر حاجته ليهودي كافر، وذلك من باب الاستحالة العقلية، والمخالفة النقلية:
يقول الإمام علي كرم الله وجهه: ( مَنْ شَكَا الْحَاجَةَ إِلَى مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّهُ شَكَاهَا إِلَى اللهِ، وَمَنْ شَكَاهَا إلَى كَافِرٍ فَكَأَنَّمَا شَكَا اللهَ )، ورد في "نهج البلاغة" للإمام علي [ج4/ص: 884/ح:417]؛اهـ
ومصداق ذلك قوله تعالى: ( .... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [المنافقون : 8] ..
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما قال : ( يا غلام، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف )، رواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 575/ر:2516]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2516]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج1/ص: 482/ر:2664]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق أحمد شاكر في "المسند" [ج4/ص: 233]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج1/ص: 355]، وابن خزيمة في "صحيحة" [ج3/ص: 134/ر: 1771]، ورواه البيهقي [5957] في "السنن الكبرى" [ج4/ص: 485]، وخلاصة الحكم : [صحيح] ..
وليس من الشرع بشيء أن يرهن رهن أو يؤخذ قرض من مرابي فاليهود لا يقرضون إلا بالربا ..
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَة رضي الله عنه, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ( دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ , أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً )، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج6/ص: 296/ر:21450]، بإسناد متصل ورجال ثقات، رواه المنذري في "الترغيب" [ج3/ص: 68]، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح؛ ورواه الهيثمي في "الزوائد" [ج4/ص: 120]، وقال: رجاله رجال الصحيح؛ وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" [ر:1855]، ورواه السيوطي في " الجامع الصغير" [ر:4193]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الجامع" [ر:3375]، ورواه الألباني في "الصحيحة" [ج3/ص: 29/ر:1033]، بإسناد صحيح؛ وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَكَاتِبَهُ )، رواه مسلم في "صحيحة" [ج11/ص: 28/ر:4068]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 264/ر:3333]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3333]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 512/ر:1206]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:1206]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج8/ص: 524/ر:5117]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح النسائي" [ر:5117]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج2/ص: 35/ر:4315]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق أحمد شاكر في "المسند" [ج5/ص: 278]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
الثاني: أنه عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن في المدينة المنورة أي يهودي فقد أجلاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عنها، ومن أي يهودي اقترض أو رهن عنده ..
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَكَانَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، ( وَكَانَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ يَهْجُو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا أَخْلَاطٌ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ وَالْيَهُودُ ، وَكَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ بِالصَّبْرِ وَالْعَفْوِ فَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ : (( وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ )) سورة آل عمران آية 186 الْآيَةَ ، فَلَمَّا أَبَى كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَنْ يَبْعَثَ رَهْطًا يَقْتُلُونَهُ ، فَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَذَكَرَ قِصَّةَ قَتْلِهِ ، فَلَمَّا قَتَلُوهُ فَزَعَتْ الْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ فَغَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : طُرِقَ صَاحِبُنَا فَقُتِلَ، فَذَكَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ : وَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ كِتَابًا يَنْتَهُونَ إِلَى مَا فِيهِ ، فَكَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً صَحِيفَةً )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 196/ر:3000]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3000]، وحكمه: [صحيح] ..
والروايتين الصائبتين بالسند والمتن هما:
عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: ( تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ بِعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَخَذَهُ لِأَهْلِهِ )، رواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 519/ر:1214]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:1214]، وحكمه: [صحيح] ..
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ، وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: مَا أَصْبَحَ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا صَاعٌ ، وَلَا أَمْسَى، وَإِنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ )، رواه البخاري في "صحيحة" [ج2/ص: 887/ر:2373]، وحكمه: [صحيح] ..
وعلة رهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لدرعه عند أحد الصحابة المقتدرين، أنه كان مفوض لا يدخر مالا، ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر، لأن عرف الأنبياء عدم الادخار فكان عندما يأتيه الفيء والأنفال، ينفقها عن أخرها ويوزعها على صحابته بالعدل، ولا يترك لأهله إلا كفاية على قدر الحاجة، وعندما قاربت منيته ولى أموال الزكاة والصدقات والغنائم الإمام علي كرم الله وجهه، فالأنبياء لا يورثون، فعندما قاربت منيته كان يرهن أغراضه ويحولها إلى كلئ لأن الأنبياء لا يورثون ..
وكان رسول الله جواداً وكان أجود ما يكون في رمضان فهو كالريح المرسلة ..
عن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهماُ، قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ )، رواه الشيخين في الصحيحين؛ البخاري [ج1/ص: 6/ر:6]، ومسلم [ج15/ص: 68/ر:5964]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج4/ص: 430/ر:2094]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق الألباني في "صحيح النسائي" [ر:2094]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج1/ص: 475/ر:2611]، بإسناد صحيح؛ بتحقيق أحمد شاكر في " المسند" [ج5/ص: 143]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..
- AAMER
- عدد المساهمات : 5112
تاريخ التسجيل : 19/09/2012
تاريخ الميلاد : 01/06/1989
المزاج : xxxgod
نقاط النشاط : 20309
السٌّمعَة : 0
العمر : 35
رد: الملم المغيث في علم الحديث [الجزء السادس]
02/11/12, 06:24 pm
مآ شآء آلله سلمت آيآديگ على موضوگ آلمميز و چعلهآ في ميزآن حسنآتگ
- énergie
- عدد المساهمات : 410
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
تاريخ الميلاد : 01/03/1987
المزاج : الحمد لله
نقاط النشاط : 4756
السٌّمعَة : 0
العمر : 37
رد: الملم المغيث في علم الحديث [الجزء السادس]
30/11/13, 12:11 am
شكرا على الموضوع بارك الله فيكم اخوكم انيرجى
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى