الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الثالث]
02/11/12, 03:38 pm
الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الثالث]
بسم الله الرحمن الرحيم
2.الضعيف الموصول:
كنا قد بينا بالقسم الأول من الأحاديث الضعيفة مما كان انقطاع السند فيه سببا في ضعفها، وسوف نبين بعون الله في هذا القسم أنواع الضعيف الموصول السند والتي يندرج تحتها في هذا القسم سبعة أقسام، هي:
1. الحديث المضعف ..
2. الحديث المضطرب ..
3. الحديث المقلوب ..
4. الحديث الشاذ ..
5. الحديث المنكر ..
6. الحديث المتروك
7. الحديث المطروح ..
1.الحديث المضعف: وهو الذيلم يجمع المحدثين على ضعفه بل اختلفوا بذلك بين التقوية والتضعيف، وفق مضمون الفائدة فيه، وضرورة الحاجة لهذه الفائدة..
أسباب التضعيف: ويكون ذلك بأحد سببين إما بسبب السند وإما المتن ..
والتضعيف في السند يتشكل حين يكون راوي الحديث مجروح الحالة، ولذلك ضعفه بعض العلماء على حين لم يعتد الآخرون بجرح ذلك الراوي، ووجد من قام بتقوية هذا النوع من الحديث ..
قال الحافظ السخاوي رحمه الله في آخر بحثه بالحديث الضعيف: ( تتمة أفرد ابن الجزري عن هذا نوعا آخر سماه المضعف، وهو الذي لم يجمع على ضعفه، بل فيه إما في المتن أو في السند تضعيف لبعض أهل الحديث وتقوية لآخرين، وهو أعلى مرتبة من الضعف المجمع عليه انتهى ومحل هذا إذا كان التضعيف هو الراجح أو لم يترجح شيء وإلا فيوجد في كتب ملتزمي الصحة حتى البخاري مما يكون من هذا القبيل أشياء )؛ ورد في "الغاية" للسخاوي [ج1/ص: 155] ..
ويقول القسطلاني وهو من أهم شراح البخاري، في الحديث المضعف: ( والمضعف ما لم يجمع على ضعفه بل في متنه أو سنده تضعيف لبعضهم، وتقوية للبعض الأخر وهو أعلى من الضعيف وفى البخاري منه )، ورد في "إرشاد الساري" للقسطلاني [ج1/ص: 14] ..
وقد تتبع الدارقطني في "صحيح البخاري"، فوجد من المضعف والمعلل، نحو ثلاثمائة وأحد عشر حديث من هذا النوع ..
ومثال الحديث المضعف:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام، قَالَ: ( قِيلُوا، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لا تَقِيلُ )؛اهـ
ضعفه ابن حبان في "المجروحين" [ج2/ص: 158]، وقال برواية الذهبي: [فيه عباد بن كثير الكاهلي حذر منه الثوري وقال ابن معين ليس بشيء في الحديث]..
وضعفه ابن القيسراني في "تذكرة الحفاظ" [ص: 227]، وفي "معرفة التذكرة" [ص: 171]، وقال برواية الذهبي: [فيه عباد بن كثير الكاهلي هو متروك الحديث] ..
وضعفه ابن حجر في "فتح الباري" [ج11/ص: 72]، وقال برواية الطبراني: [في إسناده كثير بن مروان وهو متروك]..
لذا نجد أن ثلاثة من الحفاظ أجمعوا على جرحه فيصبح بذلك حديث ضعيف وليس مضعف، أما ما يجعله مضعف، أن ثلاثة حفاظ حسنوا سنده وحالته، وهم:
السيوطي حسنه في "الجامع الصغير" [ر:6168]، ووافقه بهذا التحسين الألباني في "صحيح الجامع" [ر:4431] ..
وحسنه الألباني أيضا في "السلسلة الصحيحة" [ر:1647]، وقال: [إسناده حسن رجاله ثقات] ..
وقد اعتمد الألباني بتحسينه على طريقي رواية غير رواية ابن حبان، والحافظ الذهبي، وهي لأبو نعيم عن طريق أبو داود الطيالسي:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِي [ثقة حافظ غلط في أحاديث]، ثنا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ [صدوق يهم]، عَنْ قَتَادَةَ [ثقة ثبت مشهور بالتدليس]، عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ( قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لا تَقِيلُ )، رواه أبو نعيم في "أخبار أصفهان" [ج1/ص: 416/ر:1208] ..
فنجد الطيالسي وقتادة ثقات من رجال مسلم، أما القطان فهو صدوق يهم بأن يكون ثقة، وفق رأي الحافظ ابن حجر، والإمام البخاري ووصفه بالصدوق أيضا، كل من الذهبي والحاكم، والساجي، ووثقه كل من الجيلي، والصفار، وقال فيه أبو داود السجستاني: من أصحاب الحسن، وما سمعت إلا خيرا؛اهـ
وهناك طريق رواية للطبراني في "الأوسط" [ج1/ص: 45/ر:28]، حسنها الصعدي في "النوافح العطرة" [ص: 229] ..
بناء على ما تقدم فإن الحديث أعلاه موضع النظر يرتقي من الحديث الضعيف إلى المضعف وهو المقبول أو من فئة الضعيف المعتبر به ..
وسبب تحسينه لما ثبت من فائدة عملية للقيلولة من منع للنوم بعد العصر والإعانة على الصحو حتى صلاة العشاء ومن ثم قيام الليل، بعد النوم قليلا بعد العشاء، فقيام الليل شرف المؤمن ..
حكم الحديث المضعف: أنه أقرب إلى الحديث المقبول أو ما قارب الصحيح، لا سيما وقد وجد من قواه من المحدثين، لذا اعتبره العلماء من أعلى مراتب الحديث الضعيف ..
وأكثر من يقوي هذا النوع المعتبر به من الضعيف هم الفقهاء المحدثين، أمثال الإمام أحمد، والمحدثين الفقهاء، أمثال أبو داود ..
2.الحديث المضطرب: المضطرب لغة مأخوذة من الاضطراب وهو الاختلاف والحديث المضطرب هو الذي يروى من وجوه مختلفة متساوية في القوة بحيث لا يمكن ترجيح وجه على آخر ..
يقول ابن الصلاح: ( المضطرب من الحديث؛ هو الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له، وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايتان )، ورد في "علوم الحديث" لابن الصلاح [ص: 269] ..
وقال أبو داود السجستاني: ( الاختلاف عندنا، ما تفرد قوم على شيء، وقوم على شيء )، ورد في "تهذيب الكمال" للمزي [ج26/ص: 431] ..
وقال شيخ الحافظ [ابن حجر العسقلاني]، وهو الحافظ العراقي: ( إن الحديث المضطرب، إنما تتساقط الروايات، إذا تساوت وجوه الاضطراب )، ورد في "طرح التثريب" [ج2/ص: 130]، وفي "التذكرة والتبصر" [ج1/ص: 240]، وهما للحافظ العراقي ..
ومعنى تساوي وجوه اضطراب الروايات عند المحدثين، هو أن تتعارض الوجوه المقتضية للترجيح، كما بين ذلك الحافظ العراقي في "التقييد والإيضاح" [ص: 104]، وصدقه على ذلك تلميذه الحافظ العسقلاني في "فتح الباري" [ج13/ص: 11] ..
والترجيح هو: تقويةإحدى الروايتين على الأخرى، بمرجح معتمد، كما بين ذلك ابن النجار في "المختبر المبتكر" [ج4/ص: 282] ..
ويكون الترجيح في الروايات التي تتعارض ولا يمكن الجمع بينها، كما يبن ذلك الباجي في "الإشارة" [ص: 303] ..
ويزول الاختلاف بين الروايات بالجمع بينها، من خلال إيجاد رابط يزيل الاختلاف، لأن الترجيح يلجأ إليه عند تعذر الجمع بين الروايات المختلفة، براوي ثقة ثبت، يكون رابط مشترك بين الروايات ..
وعند المحدثين الجمع أولى إذا أمكن، كما بين ذلك القرطبي في "المفهم" [ج3/ص: 280]، والحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح" [ج3/ص: 100]، وفي "التلخيص" [ج3/ص: 207] ..
لأن الجمع برابط مشترك في الروايات يزيل الاختلاف، ويستعاض به عن الترجيح، أما إن كان هناك صعوبة أو استحالة للجمع بين الروايات أصولا، فيبقى الخيار بالترجيح، عندها يعمل بالرواية المرجحة، وإلا فيغلب على الحديث الضعف، فيكون مضطرب؛اهـ
مواضع الاضطراب: قد يقع الاضطراب في السند وقد يقع في المتن، أو بالسند والمتن معا، ومن الأمثلة على الاضطراب في السند:
حديث زبد بن الأرقم رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: ( إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 49/ر:6]، صححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:6]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 154/ر:296]، صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:244]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج5/ص: 496/ر:18800]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج4/ص: 255/ر:1408]، وابن خزيمة في "صحيحة" [ج1/ص: 38/ر:69]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 297/ر:668]، على شرط مسلم، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:9581]، ووافقه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:2263]، وقال في "الصحيحة" [ر:1070]: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال: البزار في "البحر الزخار" [ج10/ص: 223]: [فيه اختلاف]، وقال ابن القطان في "الوهم والإيهام" [ج5/ص: 432]: اختلف في إسناده، والذي أسنده ثقة، وخلاصة حكمه: [مضطرب الصحة، يرجح قبوله بالصحاح] ..
جرحه وأعله ابن حبان في "المجروحين"، وابن عدي في "الكامل"، وابن القيسراني في "التذكرة"، وأجمعوا على أن أحمد بن العباس الهاشمي، لا يحل الاحتجاج به أو بروايته ..
ثم عاد ابن حبان ورجحه في "الثقات" بوجه رواية أخرى، قام بذلك أيضا ابن خزيمة في "التوحيد"، والحاكم في "المستدرك"، والسيوطي "الجامع"، والألباني في صحاحه المذكورة في سياق التخريج المرفقة بالحديث أعلاه ..
والوجه الثاني لاضطراب هذا السند: أنه اختلف فيه التسلسل والتفرع الوارد عن قتادة فقد رواه شعبة عن قتادة ورواه معمر عن قتادة، ورواه سعيد بن أبي عروبة عنه أيضا، فكلهم رواه عن قتادة عن النضر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن الأرقم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا الاختلاف بالسند يشعر بعدم الضبط، فاقتضى الحكم بالاضطراب والضعف ..
ويوجد اضطراب آخر للسند برواية الصحابة، ومثال ذلك:
عَنْ عَمْرٍو بن أبي عمرو [صدوق يهم]، عَنْ الْمُطَّلِبِ [صدوق كثير التدليس والإرسال]، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 572/ر:1851]، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" [ر:1851]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 203/ر:846]، قال أبو عيس: [لا يعرف للمطلب سماع من جابر ، وعمرو ضعيف]، ضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" [ر:846]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج5/ص: 205/ر:2827]، وقال: [فيه عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث]، ضعفه الألباني في "ضعيف النسائي" [ر:2827]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج4/ص: 335/ر:14478]، وصححه ابن خزيمة في "صحيحة" [ج4/ص: 180/ر:2641]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 649/ر:1748]، على شرط الشيخين، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:7235]، وضعفه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:4666]، وخلاصة حكمه: [مضطرب السند]..
ورغم أن الإمام الشافعي رجح العمل به كفقيه من ناحية الصحة المتن، حيث قال رحمه الله تعالى في "شرح العمدة" [ج2/ص: 162]: (أحسن حديث في هذا الباب وأقيس)؛اهـ
إلا أنه عند المحدثين مضطرب السند، لأن عمرو بن أبي عمرو المدني، رواه فاضطرب فيه، فرواه مرة عن المطلب عن جابر، وأخرى عن المطلب عن أبي موسى الأشعري مرفوعا، وفق تخريج الطحاوي في "المعاني" [ج2/ص: 171]، ومرة رواه عن رجل من بني سلمة عن جابر مرفوعا، وفق تخريج الإمام الشافعي في "الأم" [ج5/ص: 398/ر:6759] ..
وقد أعله باضطراب السند من الحفاظ المحققين كل من الغماري في "الهداية" [ج5/ص: 323]، وابن التركماني في "الجواهر" [ج5/ص: 191] ..
ومن الأمثلة على الاضطراب بالمتن ما ورد في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الزكاة، فقال: ( إن في المال لحقا سوى الزكاة ) ..
والرواية الأخرى : (إن في المال حق سوى الزكاة ) ..
فهذا الاختلاف الظاهر في المتن أورد ضعفا في الحديث واضطرابا لا يحتمل التأويل ..
ومثال آخر على اضطراب المتن:
حَدَّثَنَا ا بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عن ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنه، قَالَ : ( حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنِ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ )، رواه ابن ماجه في "سننه" [ج3/ص: 67/ر:3038]، ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" [ر:594]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج4/ص: 254/ر:13961]، وقال ابن الملقن في "خلاصة البدر" [ج2/ص: 29]: [مضطرب المتن وضعيف] ..
والرواية الثانية:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيل الْوَاسِطِيُّ، قَال: سَمِعْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ( كُنَّا إِذَا حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا نُلَبِّي عَنِ النِّسَاءِ وَنَرْمِي عَنِ الصِّبْيَانِ )، رواه رواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 266/ر:927]، وقال: حديث غريب، وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" [ر:927]، وخلاصة حكمه: [مضطرب المتن وضعيف] ..
إلا أن الرواية الأولى والتي فيها : (التلبية والرمي عن الصبيان )، هي الصواب بالمتن عند الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" [ج3/ص: 482]، وعند الحافظ ابن حجر العسقلاني في"تهذيب التهذيب" [ج9/ص: 57]..
والرواية الثانية والتي تنص على: ( التلبية للنساء والرمي عن الصبيان )، هي خطأ ومغلوطة المتن، عند الحافظ العراقي شيخ الحافظ ابن حجر كما ورد في "التقييد والإيضاح" [ص: 381]، وعند الحافظ الذهبي في "تهذيب التهذيب" لابن حجر [ج9/ص: 57] ..
لذلك ترجح الأولى بموافقة الفقهاء ..
والمثال على الإضراب المزدوج بالسند والمتن:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه: ( أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُمْ تَمَسَّحُوا وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّعِيدِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ ثُمَّ مَسَحُوا وُجُوهَهُمْ مَسْحَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ كُلِّهَا إِلَى الْمَنَاكِبِ وَالْآبَاطِ مِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 138/ر:318]، صححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:318]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 239/ر:571]، صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:469]، وقال الألباني في "تخريج المصابيح" [ر:536]: إسناده صحيح؛ وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
ورغم صحة إسناده وفق تحقيق المحدث الألباني، إلا أن فيه اضطراب بالسند والمتن معا ..
ففيه انقطاع بين عبيد الله وعمار، وقد أجمع على ذلك كل من الزيلعي في "نصب الراية" [ج1/ص: 155]، والعظيم آبادي في "غاية المقصود" [ج3/ص: 161]، وابن عبد الهادي تلميذ الحافظ ابن تيمية في "تنقيح التعليق" [ج1/ص: 216]، وأضاف آبادي، عن اضطرابه أنه اختلفوا في بالزهري:
فمرة رواه الزهري عن عبيد الله عن عمار، و الثانية أضاف أبا عبيد الله وهو عبد الله بن عتبة، قبل عمار ..
الرواية الثالثة:
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّسَ بِأُوَلَاتِ الْجَيْشِ وَمَعَهُ عَائِشَةُ زَوْجَتُهُ، فَانْقَطَعَ عِقْدٌ لَهَا مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ، فَحُبِسَ النَّاسُ ابْتِغَاءَ عِقْدِهَا وَذَلِكَ حَتَّى أَضَاءَ الْفَجْرُ ، وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُخْصَةَ التَّطَهُّرِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ( فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرَابِ شَيْئًا فَمَسَحُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى الْمَنَاكِبِ، وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إِلَى الْآبَاطِ ، وَلَا يَغْتَرُّ بِهَذَا النَّاسُ )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 139/ر:320]، صححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:320]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج1/ص: 182/ر:313]، صححه الألباني في "صحيح النسائي" [ر:313]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج5/ص: 327/ر:17858]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
قال أبو داود السجستاني في "سننه" [ج1/ص: 139]: اضطرب ابن عيينة فيه وفي سماعه من الزهري ولم يذكر أحد الضربتين إلا ابن إسحاق ويونس ومعمر ..
واضطراب المتن بين الرواية الأولى والثاني بضرب الأيدي، ففي الرواية الأولى مرتين: ( فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ..... ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى ... )؛اهـ
وفي الرواية الثانية ضرب الأيدي مرة واحدة: ( فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ.... )؛اهـ
حكم الحديث المضطرب: الاضطراب يوجب ضعف الحديث إلا إذا ترجحت إحدى رواياته، بأن كان الراوي أحفظ وأكثر صحبة للمروي عنه، أو أمكن الجمع بين روايات المتن، بحيث أن المتكلم عبر بلفظين أو أكثر عن معنى واحد، عندها ترجح الصحة على الضعف ..
أما إذا لم يمكن الجمع فلاضطراب واقع محقق ..
انظر في "التلخيص الحبير" لابن حجر [ج2/216]، و"شرح الإلمام" لابن دقيق [ج1/ص: 387]، و"ميزان الاعتدال" للذهبي [ج1/ص: 534]، و"الأجوبة المرضية" للسخاوي [ج1/ص: 131]؛اهـ
3.الحديث المقلوب: وهو الذي بدل فيه راوي بآخر في طبقته، أو أخذ إسناد متنه مركب على متن آخر أو بدل أصل المشهور في متنه بما لم يشتهر عمدا أو سهوا ..
يقول القاسمي : (المقلوب وهو ما بدل فيه راوٍ بآخر في طبقته أو أخذ إسناد متنه فركب على متن آخر ويقال له المركب )، ورد في "قواعد التحديث" للقاسمي [ص: 132] ..
وبهذا نرى المقلوب قسمان:
مقلوب في السند، ومقلوب في المتن ..
ومن الأمثلة على المقلوب في السند ما رواه جيري بن حازم عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوما حتى تروني أقوم .. ) ..
فهذا حديث انقلب سنده سهوا على جرير بن حازم، بينما هو مشهور عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك كما ورد في صحيح مسلم والنسائي ..
أما مثال المقلوب متنا: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، في صحيح مسلم في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله...... ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى تعلم يمينه )..
فهذا الحديث انفلت على أحد الرواة سهوا، والنص الصحيح، كما وردفي الصحيحين والموطأ وغيره :
( ... حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ... )، وهذا المتن الأخير هو المعمول به عند الفقهاء المجتهدين ودون النظر بالسند، لأنه ثابت عندهم شرعا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب التيمن بكل شيء، وأمر بالتيمن بكل فضيلة والإنفاق والصدقة من أعمال الفضائل والإحسان ..
كما أن اليمين من الناحية المعنوية، مأخوذة من الُيمن، وهي صفة الخير ..
حكم الحديث المقلوب: كل ما وقع من الراوي عن سهو أو غفلة، يجعل الحديث ضعيف، لضعف ضبط الراوي، ويجب رد الحديث إلى أصله الثابت والعمل بذلك الأصل الثابت ..
كيفية معرفة الحديث المقلوب:
يكون ذلك بالمقارنة بين طرق الرواية إن وجدت، وتتبعها إن لم تتوفر، ومعرفة من يروي عادتا عن من، وأساس معرفته مبنية على الخبرة، وتوثيق رواة المقلوب في مصنفات ..
يقول أبن معين: ( لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما علقناه )، ورد في "المجروحين" لابن حبان[ج2/ص: 33] ..
ويقول الحافظ العسقلاني [ابن حجر]: ( إنما يظهر أمر المقلوب بجمع الطرق، واعتبار بعضها ببعض، ومعرفة من يوافق ممن يخالف )، ورد في "النكت" لابن حجر [ج2/ص: 874] ..
ويقول الحاكم النيسابوري: ( إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط، إنما يعرف بالفهم والحفظ، وكثرة السماع، وليس لهذا النوع من العلم عون، أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة، ليظهر ما يخفى من علة الحديث )، ورد في "معرفة علوم الحديث" للحاكم [ص: 59 -60] ..
4.الحديث الشاذ: وهو أن يروي عدد من ثقات الرواة حديثا، فيشذ عنهم أحد الثقات، بالمخالفة، أو بتعبير آخر: هو ما رواه الثقة مخالفا فيه خيره أو غيره من الثقات ..
فإن خالف الثقة من هو أرجح منه بعدد الروايات أو مزيد الضبط، أو بعدد من الثقات الأقران المكافئين بذاتهم المتفوقين بعددهم، سمي الراجح بالمحفوظ، أما المرجح عليه فيسمى الشاذ، وعند المحدثين المتقدمين والفقهاء والأصوليين، إذا تفرد الثقة الثبت، برواية لم يخالفه بها غيره، أو حتى يروي روايته، كان تفرده صحيحا ومقبولا ..
تعريف الحديث الشاذ عند المحدثين:
وقال الحافظ الذهبي في تعريف الحديث الشاذ: ( هو ما خالف راويه الثقات، أو من انفرد به من لا يحتمل حاله قبول تفرده )، ورد في "الموقظة" للذهبي [ص: 18] ..
وفي لفظ آخر لابن دقيق العيد: ( هو ما خالف راويه الثقات، أو من انفرد به من لا يحتمل حاله أن يقبل ما تفرد به )، ورد في "الاقتراح" لابن دقيق [ص: 17] ..
تعريف الحديث الشاذ عند الفقهاء:
ويقول الإمام الشافعي: ( ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس )، ورد في "علوم الحديث" لابن الصلاح [ج1/ص: 76] ..
ويقول بلفظ آخر قال الشافعي: ( هو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس وليس من ذلك أن يروي ما لم يروي غيره )؛اهـ
شرط الشافعي والفقهاء في الشاذ هو نفس شرط المحدثين: وهو أن يكون الثقة قد روى رواية خالف به غيره من الثقات، لكن بتقديم شذوذ المتن المخالف لظاهر الشريعة، عن شذوذ السند ..
مخالفة ما يروى الناس قصد الإمام الشافعي بها، عرف المعقول، ومألوف الشريعة؛اهـ
وقد أوردنا بذلك أمثلة ببحث "الشذوذ" الذي يخل بصحة الحديث الصحيح من قبل، في بيان الشاذ والمحفوظ بالحديث الذي خالف بروايته الثقة حماد بن زيد، مثيليه بالثقة وهما ابن عيينة وابن جريج، وهو شذوذ في السند ..
وندرج مثال إضافي في شذوذ المتن، وهو ما رواه عبد الواحد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( إذا صلى أحدكم ركعتين الفجر فليضطجع عن يمينه... )
فقد رواه آخرون من الثقات إنه من فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لا من قوله ..
أي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع شقه على يمينه، فالرواية الشاذة هي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 404/ر:1261]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:1261]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج2/ص: 281/ر:420]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:420]،وقال الألباني في "تخريج المصابيح" لابن حجر [ر:1163]:إسناده صحيح، ورواه الإمام أحمد في مسنده[ج3/ص: 140 /ر:9104]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج6/ص: 220/ر:2468]، وصححه ابن خزيمة في "صحيحة" [ج2/ص: 167/ر:1120]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
والرواية المحفوظة هي:
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن )، رواه البخاري في "صحيحة" [ج1/ص: 389/ر:1107]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 453/ر:1198]، وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:993]: حسن صحيح؛ ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج7/ص: 362/ر:25637]، صححه شاكر في "مسند أحمد" [ج3/ص: 279]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:9739]، والألباني في "صحيح الجامع" [ر:4749]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
مثال آخر يجمع شذوذ السند والمتن:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بن راشد [ثقة ثبت فاضل]، عَنْ ابن شهاب الزُّهْرِيّ [الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانهِ]، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ [أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار]، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إذا وقعت الفأرة في السمن، فإن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 392/ر:3842]، ضعفه الألباني في "ضعيف أي داود" [ر:3842]، وقال: شاذ، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج7/ص: 201/ر:4271]، ضعفه الألباني في "ضعيف النسائي" [ر:4271]، وقال: شاذ، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج2/ص: 521/ر:7547]، صححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج14/ص:34]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج4/ص: 237/ر:1393]، وقال الألباني في "تخريج المصابيح" [ر:4053]، وخلاصة حكمه: [شاذ] ..
فقد وصف البخاري هذه الرواية كما ورد في "المحرر" لابن عبد الهادي [ص: 304]، بالخطأ، وقال في "عارضة الأحوذي" لابن العربي [ج4/ص: 233]، أنها لا تصح، وأصلها في صحيحة "صحيح البخاري":
َحَدَّثَنِي مَالِك، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزهري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ [ثقة فقيه ثبت]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال ألقوها وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم )، رواه البخاري في "صحيحة" [ج1/ص: 93/ر:223]، ورواه الإمام مالك في "الموطأ" [ج2/ص: 971/ر:862]، ورواه الدارمي في "سننه" [ج1/ص: 542/ر:2011]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
فهنا الشذوذ باللفظ "المتن" والسند ..
أما شذوذ السند في الرواية الأولى أن معمر بن راشد كان ثقة ثبت، لكنه أقل ثقة من عبيد الله بن عتبة، الذي كان ثقة ثبت وفقيه وهو راوي رواية البخاري ..
وشذوذ المتن في رواية معمر: [فإن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه]، فتكلم عن الحالة الجامدة والمائعة، أما رواية عبيد الله في البخاري وهي الرواية المحفوظة فكانت حول الحالة الجامدة فقط بلفظ: [ألقوها وما حولها فاطرحوه]؛اهـ
فهذه الرواية أوثق متنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله آتاه جوامع الكلم ومنطقه منطق اختزال القرآن بالدلالة، فلم يذكر طرح الفأرة مع ما حولها، لأنه أمر بديهي ولم يتطرق إلى المائع السمن وإن ساح فإنه يعزل بما لاصق منه الفأرة الضرر عن باقي السمن شرط أن لا تترك فيه طويلا؛اهـ
4.الحديث المنكر: وهو ما رواه الضعيف مخالفا به الرواة الثقات؛ فشرط المنكر يكمن في بندين: أولهما ضعف الراوي، وثانيها المخالفة للثقات؛ فالمنكر والشاذ اشتركا في مخالفة الرواة الثقات، وافترقا في كون راوي الشاذ ثقة ..
وقد نبه السيوطي رحمه الله في "ألفيته" لهذا الفرق فقال: ( من رأى ترادف المنكر والشاذ نأى )، ورد في "الألفية" للسيوطي [ص: 23] ..
وكان الحافظ السيوطي يقصد أيضا مساواة الشاذ بالمنكر من حيث حكم الرد؛اهـ
الفرق بين الشاذ والمنكر:
يكمن الفرق بإمكانية، العمل بالشاذ إن لم يكن الشذوذ في لفظ المتن النص، شرط أن يخضع لشروط تقوية الحديث الضعيف، ولضرورة الاحتجاج به إضرارا وليس اختيارا، مع فقد البديل النصي الأقوى من ناحية الإسناد، فيقدم العمل به بصحة المعنى أصولا، لا بنسبته لمنتهاه صلى الله عليه وآله وسلم ..
ولا ينطبق هذا على المنكر لأنه عند الفقيه المحدث الإمام أحمد، يجوز الُعمل بالضعيف إذا دعت الضرورة ومنها الشاذ، أما المنكر أبدا منكرا ..
وهنا الشذوذ المقصود بالحالة الأخيرة التي قد تقبل ليس بمخالفة الثقة الأوثق، وإنما أن يروي راوي ثقة في نفس سند الرواية، عن مروي عنه أوثق، لم يحفظ عنه ضمن المألوف والمعروف أنه سمع عنه، ولكن مع عدم الجزم عند أغلبية أئمة الحديث على هذا الشذوذ، أي من باب الشك والظن؛اهـ
أما إن أجمع العلماء عل عدم اللقاء تلقيا لسند متصل أو مذاكرة دون بين السند للمروي له، فإن هذا الشذوذ يتساوى مع الإنكار بالحكم ويكون الحديث شاذ مردود؛اهـ
وأول من عرف الحديث المنكر بعد الإمام مسلم، بتوثيق ابن الصلاح هو "البرديجي" حيث يقول: ( الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته، إلا من الوجه الذي رواه منه، ولا من وجه آخر )، ورد في "معرفة الحديث" لابن الصلاح [ص: 244] ..
وللبرديجي صيغة أخرى لتعريف الحديث المنكر وثقها ونقلها له ابن رجب، وهي قوله رحمه الله: ( إن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة، ولا يعرف ذلك الحديث، إلا من الطريق الذي رواه، فيكون منكرا )، ورد في "شرح الترمذي" لابن رجب [ج1/ص: 45]؛اهـ
شرح التعريف الأول للبرديجي وفق فهم ابن الصلاح: فقول البرديجي : (الحديث الذي ينفرد به الرجل )، وهنا التفرد مطلق في مجال الرواية لسند الآحاد المفرد، دون تحديد حالة الراوي أهو من الثقات أم من الضعفاء، ومن هنا جاءت، المساواة بين الشاذ بالمنكر عند المحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين ..
وقول البرديجي: ( ولا يعرف متنه من غير روايته )، يدل أن البرديجي أجمل الحديث الغريب بحكم المنكر، ويستدل على ذلك من قوله بنقل ابن رجب حيث يقول بشكل شارح: ( إن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة )؛ اهـ
ولكن يأتي السؤال الآن لما أجمل البرديجي التفرد المتصل السند، الذي روي عن صحابي واحد، وهو ما يعرف بالغريب، وما خالف به الراوي الثقة رواية من هو أوثق منه بعدد النقول أو نوعها، أو خالف بروايته عدد من أقرانه بالثقة، وهو الشاذ، أو خالف الضعيف الثقة وهو المنكر؟ ..
وللإجابة على ذلك نقول: أن هذه الاصطلاحات للتفرد المتصل، لا تخرج عن دائرة الظن أو ما دون اليقين، بنسبة هذه المتون المنقولة لأصلها، وذلك خشية الوقوع بالإثم وهو هنا الكذب الثاني أو الكذب الظني لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ...) [الحجرات : 12] ..
وعملا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه، وآله وسلم: ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ )؛اهـ
إلا أن المتقدمين رغم أنهم وافقوا البرديجي في تقعيده بإنكار ورد السند، بمساواة الشاذ مع المنكر، إلا أنهم خالفوه في بعض حالات الغريب أو بخبر الآحاد، وذلك في حالة كان الراوي المنفرد مشهود له بأنه عدل ضابط تام [ثقة ثبت]، وامتدت هذه القاعدة عند المتقدمين لتشمل المرسل رغم أنه من فئة المنقطع السند، كما يبين ذلك ابن رجب بقوله: ( وأما أكثر الحفاظ المتقدمين، فإنهم يقولون بالحديث إذا انفرد به واحد، ولم يروي الثقات خلافه: أنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه، كالزهري ونحوه )، ورد في "شرح العلل" لابن رجب [ج1/ص: 352] ..
والسبب أن شيوخ الثقات بالرواية، كانوا في ذات الوقت شيوخ أئمة التخريج والاستخراج من المحدثين المتقدمين، أمثال قتيبة شيخ الشيخين وابن عتيبة، والأوزاعي والزهري وغيرهم من كبار التابعين ..
وللعلماء الأصوليين والفقهاء مقال في خبر الآحاد أيضا، تطرق إليه لاحقا ..
ومن الأمثلة على الحديث المنكر: ما رواه أبو حاتم من طريق حبيب بن حبيب الزيات، عن ابن إسحاق، عن البيزار بن حريث عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحج وصام، وقرى الضيف، دخل الجنة )، رواه الصنعاني عبد الرزاق في "مصنفه" [ج11/ص: 274/ر:20529]، رواه الطبراني في "الكبير" [ج12/ص: 106/ر:12692]، قال الحافظ العسقلاني بحكمه في "نزهة النظر" [ص: 99]: [منكر] ..
قال أبو حاتم في هذا الحديث: ( هو منكر لأن حبيب من الثقات رواه غير أبي إسحق موقوفا عن ابن عباس )، انظر في "علل الحديث" [ج2/ص: 182]، وفي "الجرح والتعديل" [ج3/ص: 309]؛ لابن أبي حاتم؛اهـ
ومن الأمثلة أيضا حديث أبي الزبير المكي، قال: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن ثمن السنور والكلب، فقال: ( زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن ذلك )،(1)..
أخرجه مسلم والنسائي، قال: أخبرنا إبراهيم بن الحسن قال: أنبأنا حجاج بن محمد عم حماد بن سلمة، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( نهى عن ثمن الكلب والسنور [القط] إلا كلب الصيد )، رواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 578/ر:1281]، وقال في حكمه: [هذا حديث لا يصح من هذا الوجه]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج7/ص: 355/ر:4682]، وقال في حكمه: [ وحديث حجاج عن حماد بن سلمة ليس هو بصحيح "هذا منكر" ]، فقد تفرد رجاله برواية "إلا كلب صيد"، وقد أصبح هذا الحديث منكرا عند بعض العلماء الذين قالوا: ما تفرد به الثقة فهو منكر ..
ومن الأمثلة أيضا على الحديث المنكر للأهمية، حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان يقلم أظافره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة )، (2) ..
وفي سنده "إبراهيم بن خزاقة الجمحي" غير معروف، فقال الذهبي: هذا خبر منكر ..
ومن الأمثلة أيضا على الحديث المنكر، ما رواه الإمام مالك، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمر بن عثمان بن عفان، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم )، (3) ..
وهذا الحديث متفق على صحته، إلا أن الإمام مالك خالف غيره من الثقات في قوله عُمر بن عثمان [عمر بضم العين]، وذكر الإمام مسلم بن الحجاج، أن ما رواه أصحاب الزهري قال فيه عَمر [بفتح العين]، فاعتبر هذا الحديث "منكر" أي رواية مالك، لأنه خالف وأعني مالك الثقات الذين رووه عن عمر [بفتح العين]، لذا حكم مسلم على مالك بالوهم فيه، أي بابن عثمان، فرواية الثقة تجعل الحديث من حيث سنده "معروف" وهو عكس المنكر ..
ومن هذا المثال نجد أمانة ودقة المحدثين بتخريج الحديث بعد ضبطه، وحرصهم أن يوصلوا لنا الموثوق بمنتهاه عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ..
وهذه الأمثلة السابقة أكثرها في مخالفة السند، أما أمثلة من أمثلة مخالفة السند والمتن :
ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ، وَكَثْرَتُهُمْ أَحَدُ الْفَقْرَيْنِ)،(4) .. هذا الحديث منكر مخالف في السند وظاهر المتن لكل من:
عن التابعي سعيد بن أبي هلال، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ : ( تَنَاكَحُوا، تَكْثُرُوا، فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَنْكِحُ الرَّجُلُ الشَّابَّةَ الْوَضِيئَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِذَا كَبِرَتْ طَلَّقَهَا، اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، إِنَّ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يُطْعِمَهَا ويَكْسُوَهَا، فَإِنْ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ يَضْرِبُهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ )،(5) ..
وما رواه معقل بن يسار، وأنس بن مالك، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ )، (6)..
الحديث الذي يأمر بقلة العيال ظهار متنه مخالف عند المحدثين، أما عند الفقهاء فالأمر يختلف ؟؟!! ..
فالأحاديث المخالفة المرجحة المعروفة عند المحدثين، تدعوا إلى الزواج والإنجاب دون اٌلإكثار فمقدمة حديث الودود الولود: [ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ قَالَ : " لَا " ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ ، فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ :تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ .... الحديث ] ..
فالحديث سببه تفضيل الزوج الولود على العاقر العجوز والعقيم الشابة من النساء، والحديث الذي قبله المخالف "المعروف"، أمر اجتماعي إسلامي بوجود الإنجاب بقصد النكاح وليس المتعة والستر فقط، دون الإشارة إلى كثرة الإنجاب ..
لذلك نجد أن حديث اليساريين، رواه ابن عمر مرفوعا، وهو من العبادلة فقهاء الصحابة، ومن قاله موقوفا عليه هو إمام الفقه في الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ومن قاله مقطوعا عليه من التابعية هو من فقهاء المدينة السبعة وهو ابن المسيب ..
ومن الناحية العملية فإن كثرة العيال فقر في العرض، لكثرة الاحتياجات، وفقر في النفس وبركة العمر، للانشغال في العمل لـتأمين رزقهم، وانشغال بمشاكل وتربية والعدل بين الأولاد على كثرتهم، ويوثق ذلك ما ورد في مضمون أصدق الحديث وهو كتاب الله، حول أن كثرة أولاد النبي يعقوب عليه السلام، رغم أنه نبي، أدت إلى ضغوط نفسية سببت له مرض القرحة وقيل مرض السكر وأخيرا العمى ؛اهـ
ونختتم الآن أمثلة المنكر بحديث جعله الإمام الفقيه المحدث "أحمد بن حنبل" رحمه الله تعالى، منكرا بالسند رغم أنه أدرجه في "مسنده" وهو من كتب الصحاح التسعة، وذلك لاعتبار إنكار في متن الحديث ..
وهو حديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ [ثقة حافظ]، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ [ثقة]، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ [صدوق حسن الحديث]، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ [ثقة]، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ سورة التوبة آية 18 )، (7) ..
هذا الحديث يأخذ مرتبة الحسن عند المحدثين من غير الحنابلة وعلى وجه الخصوص الشافعية، وهو حسن لأن فيه دراج حسن الحديث صدوق ..
والشافعية يرونه صحيح لشاهدة حافظين باستقامة حديثة وثلاثة حفاظ قالوا أنه ثقة ..
لذلك نجد الحاكم النيسابوري يقول فيه: هذه ترجمة للمصريين [الشافعية]لم يختلفوا في صحتها و صدق رواتها، غير أن شيخي الصحيح لم يخرجاه، و قد سقت القول في صحته ما تقدم ..
أما الحنابلة فيضعفوه أسوة بحكم الإمام أحمد به، الذي قال في الراوي "دراج": أحاديثه أحاديث مناكير..
وأيده بذلك وخصوصا برواية دراج عن أبي الهيثم كل من السجستاني " أبو داود" والنسائي، والعسقلاني "ابن حجر"، والدولابي ..
وسبب إنكار الإمام أحمد لمتن هذا الحديث، هو دقة الحكم الفقهي في سلوك الإيمان، لأن اعتياد المساجد قد يصدر من مرائي مغرض أو حتى من منافق مستتر، أو مسلم معتقد لم يدخل الإيمان قلبه، ولا ينحسر بالمؤمن كم يشير ظاهر الحديث ..
بل وجد ابن حنبل، أن علامة المؤمن ليست بمتابعة الصلاة في المسجد كعادة بل كتعلق نفسي، بدافع داخلي أيماني إدماني وليس اعتيادي، لقوله تعالى: ( إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً )[النساء : 103] ..
وفيما صح باتفاق الشيخين: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ: ..... وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ [وفيرواية مسلم، والترمذي وصحيح ابن حبان] : إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ ..... الحديث )
أما الإمام الشافعي فوجد قبول متن الحديث بكامل حيثياته، ترغيب في الصلاة في المسجد بفضل صلاة الجماعة، قد يفضي حال المصلى للإيمان، ووجد في الآية المرفقة لمتن الحديث فيها تعضيد لمتن الحديث وصحته بالدلالة والسند ..
وفي كلا الرأيين خير وصواب؛اهـ
----------
(1) رواه مسلم في "صحيحة" [ج10/ص: 478/ر:3991]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج4/ص: 376/ر:14728]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج11/ص: 314/ر:4940]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
(2) رواه البيهقي في "الشعب" [ج3/ص: 24/ر:2763]، ورواه الطبراني في "الأوسط" [ج1/ص: 348/ر:846]، ضعفه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:7131]، والألباني في "ضعيف الجامع" [ر:4596]، وخلاصة حكمه: [منكر] ..
(3) رواه الشيخان، البخاري في "صحيحة" [ج6/ص: 2484/ر:6383]، ومسلم في "صحيحة" [ج11/ص: 53/ر:4116]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 140/ر:2909]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 369/ر:2107]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج2/ص: 482/ر:2729]، ورواه الدارمي في "سننه" [ج2/ص: 827/ر:2885]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج6/ص: 260/ر:21240]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج13/ص: 394/ر:6033]، وابن خزيمة في "صحيحة" [ج4/ص: 322/ر:2984]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..
(4) رواه السخاوي في "المقاصد الحسنة" [ر:731]، وقال: أخرجهالقضاعي عن علي، والديلمي عن عبد اللَّه بن عمر وابن هلال المزني، كلاهما بالشطر الأول مرفوعا بسندين ضعيفين، واللفظ بتمامه في الإحياء، وهو يصح موقوفا على الإمام علي كرم الله وجهه كما ورد في "نهج البلاغة"للإمام علي [ح141/ص495] ح:الحكمة، ومقطوعا على سعيد بن المسيب، كما ورد في "العيال" لابن أبي الدنيا [ر:100] وابن المسيب تابعي من الفقهاء السبعة رفع له مراسيل الإمام الشافعي وقال فيه "أفضل التابعين" ..
(5) رواه مرسلا عن ابن أبي هلال، عبد الرزاق في "مصنفه" [ج7/ص: 470/ر:13930]، وقال: في حكمه: إسناده حسن رجاله ثقات عدا هشام بن سعد القرشي وهو صدوق لهأوهام [حسن الحديث، وفق الذهبي]، وقال ابن حجر في "الباري" [ج9/ص: 13]: ذكر بلاغا عن ابن عمر، حكم بإرساله كل من السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:3366]، والغزي في "الإتقان" [ج1/ص: 207]، والعجلوني في "الكشف" [ج1/ص: 380]، وضعفه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:2484]، وفي "السلسلة الضعيفة" [ر:3480]، لأنه من المحدثين الذين يضمون المرسل إلى الضعيف الغير معمول به، وخلاصة حكمه: [حسن] ..
سبب تحسينه أن رواة ثقات عدا القرشي فهو حسن الحديث، والتابع المرسل، ثقة عند البيهقي، والقرطبي، والدارقطني، وابن خزيمة، وغيرهم، وقال مصنفوا تحرير "تقريب التهذيب" : ثقة، إن صح قول أحمد، فلا سلف له في ذلك ولا خلف، فهو حسن وفق شرطية الشافعي في المراسيل وتزكية الإمام أحمد ..
(6) رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 625/ر:2050]، بلفظه، ورواه النسائي في "سننه" المجتبى" [ج6/ص: 373/ر:3227]، دون لفظ [الأمم]، وصححه له الألباني في "صحيح النسائي" [ر:3227]، ورواه الإمام أحمد في "مسند" [ج4/ص: 132/ر:13157]، بلفظ [مكاثر بكم الأنبياء]، وحسن لفظ أحمد، كل من ابن حجر في "بلوغ المرام" [ر:289]، والهيثمي في "الزوائد" [ج4/ص: 261]، وصحح لفظ أبي داود كل من ابن حبان في "صحيحة" [ج9/ص: 363/ر:4056]، والحاكم في "المستدرك" [ج2/ص: 176/ر:2685]، والوادعي "الصحيح المسند" [ر:1143]، والألباني في "صحيح أبي داود" [ر:2050]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:3286]، وصححه له الألباني في "صحيح الجامع" [ر:2940]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
(7) رواهالترمذي في "سننه" [ج5/ص:258/ر:3093]،وقال حسن غريب؛ ضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" [ر:3093]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج3/ص: 479/ر:11256]، حسنه أبو نعيم في "الحلية" [ج8/ص: 327/ر:12841]، والبيهقي في "سننه الكبرى" [ج3/ص: 66/ر:4599]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج5/ص: 6/ر:1721]، ابن خزيمة في "صحيحة" [ج2/ص: 379/ر:1502]، والحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 332/ر:770]، وضعفه كل من ابن رجب وابن مفلح، ونكره الإمام أحمد؛ وخلاصة حكمه : [حسن] ..
5.الحديث المتروك: وهو الحديث الذي لم ثبت وضعه أو أنه مكذوب، ولكن رواه راوي واحد متهم بالوضع أو الكذب في الحديث، أو أن يكون هذا الراوي ظاهر الفسق، بقول أو فعل، أو فاحش الخطأ، كثير الغفلة، أو كثير الوهم، ومرجح لهواه، ولا يعرف هذا الحديث إلا من جهته، أي تفرد به ..
قال السيوطي: (أن المتروك من اتهم بالكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرف الحديث إلا من جهته ،ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة ويدخل في ذلك من عرف بالكذب في حديثه مع الناس )، ورد في "تدريب الراوي" للسيوطي [ج1/ص: 498] ..
والفرق بين الموضوع والمتروك، أن الأول ثبت به الكذب من متهم بالكذب، أما الثاني وأعني المتروك ففي رواته من هو متهم بالكذب، دون أن يثبت كذبه في هذه الرواية ..
أي أن ترك ورد العمل الحديث الموضوع علاجي، أما ترك المتروك فهو وقائي؛اهـ
ومثال على الحديث المتروك:
عن الحسن بن أبي الحسن، عن جد الحسن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وآلهِ وَسَلَّمَ، أنه قال : ( إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ الْحَسَنِ : الْخُلُقَ الْحَسَنَ )، رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" [ج13/ص: 116/ر:5031]، ضعفه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:2182]، ووضعه الألباني في "ضعيف الجامع" [ر:1373]، وخلاصة حكمه: [متروك]..
وهو ‘حديث متروك‘ العمل به مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن يعمل به موقوفا على الحسن بن علي رضي الله عنهما..
وهو مصطنع بهذا السياق اللفظي في المسلسلات أوفي "أحاديث المسلسلات" للطريثيثي [ج1/ص:2/ر:1]؛اهـ
وفي "مسند الشهاب" للقضاعي [ج1/ص: 83/ر:927]، ذكر أن في روايته متهمين بالوضع،حيث قال: [إسناد فيه راويان كذابان يضعان الحديث هما محمد بن إسم
بسم الله الرحمن الرحيم
2.الضعيف الموصول:
كنا قد بينا بالقسم الأول من الأحاديث الضعيفة مما كان انقطاع السند فيه سببا في ضعفها، وسوف نبين بعون الله في هذا القسم أنواع الضعيف الموصول السند والتي يندرج تحتها في هذا القسم سبعة أقسام، هي:
1. الحديث المضعف ..
2. الحديث المضطرب ..
3. الحديث المقلوب ..
4. الحديث الشاذ ..
5. الحديث المنكر ..
6. الحديث المتروك
7. الحديث المطروح ..
1.الحديث المضعف: وهو الذيلم يجمع المحدثين على ضعفه بل اختلفوا بذلك بين التقوية والتضعيف، وفق مضمون الفائدة فيه، وضرورة الحاجة لهذه الفائدة..
أسباب التضعيف: ويكون ذلك بأحد سببين إما بسبب السند وإما المتن ..
والتضعيف في السند يتشكل حين يكون راوي الحديث مجروح الحالة، ولذلك ضعفه بعض العلماء على حين لم يعتد الآخرون بجرح ذلك الراوي، ووجد من قام بتقوية هذا النوع من الحديث ..
قال الحافظ السخاوي رحمه الله في آخر بحثه بالحديث الضعيف: ( تتمة أفرد ابن الجزري عن هذا نوعا آخر سماه المضعف، وهو الذي لم يجمع على ضعفه، بل فيه إما في المتن أو في السند تضعيف لبعض أهل الحديث وتقوية لآخرين، وهو أعلى مرتبة من الضعف المجمع عليه انتهى ومحل هذا إذا كان التضعيف هو الراجح أو لم يترجح شيء وإلا فيوجد في كتب ملتزمي الصحة حتى البخاري مما يكون من هذا القبيل أشياء )؛ ورد في "الغاية" للسخاوي [ج1/ص: 155] ..
ويقول القسطلاني وهو من أهم شراح البخاري، في الحديث المضعف: ( والمضعف ما لم يجمع على ضعفه بل في متنه أو سنده تضعيف لبعضهم، وتقوية للبعض الأخر وهو أعلى من الضعيف وفى البخاري منه )، ورد في "إرشاد الساري" للقسطلاني [ج1/ص: 14] ..
وقد تتبع الدارقطني في "صحيح البخاري"، فوجد من المضعف والمعلل، نحو ثلاثمائة وأحد عشر حديث من هذا النوع ..
ومثال الحديث المضعف:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام، قَالَ: ( قِيلُوا، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لا تَقِيلُ )؛اهـ
ضعفه ابن حبان في "المجروحين" [ج2/ص: 158]، وقال برواية الذهبي: [فيه عباد بن كثير الكاهلي حذر منه الثوري وقال ابن معين ليس بشيء في الحديث]..
وضعفه ابن القيسراني في "تذكرة الحفاظ" [ص: 227]، وفي "معرفة التذكرة" [ص: 171]، وقال برواية الذهبي: [فيه عباد بن كثير الكاهلي هو متروك الحديث] ..
وضعفه ابن حجر في "فتح الباري" [ج11/ص: 72]، وقال برواية الطبراني: [في إسناده كثير بن مروان وهو متروك]..
لذا نجد أن ثلاثة من الحفاظ أجمعوا على جرحه فيصبح بذلك حديث ضعيف وليس مضعف، أما ما يجعله مضعف، أن ثلاثة حفاظ حسنوا سنده وحالته، وهم:
السيوطي حسنه في "الجامع الصغير" [ر:6168]، ووافقه بهذا التحسين الألباني في "صحيح الجامع" [ر:4431] ..
وحسنه الألباني أيضا في "السلسلة الصحيحة" [ر:1647]، وقال: [إسناده حسن رجاله ثقات] ..
وقد اعتمد الألباني بتحسينه على طريقي رواية غير رواية ابن حبان، والحافظ الذهبي، وهي لأبو نعيم عن طريق أبو داود الطيالسي:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِي [ثقة حافظ غلط في أحاديث]، ثنا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ [صدوق يهم]، عَنْ قَتَادَةَ [ثقة ثبت مشهور بالتدليس]، عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ( قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لا تَقِيلُ )، رواه أبو نعيم في "أخبار أصفهان" [ج1/ص: 416/ر:1208] ..
فنجد الطيالسي وقتادة ثقات من رجال مسلم، أما القطان فهو صدوق يهم بأن يكون ثقة، وفق رأي الحافظ ابن حجر، والإمام البخاري ووصفه بالصدوق أيضا، كل من الذهبي والحاكم، والساجي، ووثقه كل من الجيلي، والصفار، وقال فيه أبو داود السجستاني: من أصحاب الحسن، وما سمعت إلا خيرا؛اهـ
وهناك طريق رواية للطبراني في "الأوسط" [ج1/ص: 45/ر:28]، حسنها الصعدي في "النوافح العطرة" [ص: 229] ..
بناء على ما تقدم فإن الحديث أعلاه موضع النظر يرتقي من الحديث الضعيف إلى المضعف وهو المقبول أو من فئة الضعيف المعتبر به ..
وسبب تحسينه لما ثبت من فائدة عملية للقيلولة من منع للنوم بعد العصر والإعانة على الصحو حتى صلاة العشاء ومن ثم قيام الليل، بعد النوم قليلا بعد العشاء، فقيام الليل شرف المؤمن ..
حكم الحديث المضعف: أنه أقرب إلى الحديث المقبول أو ما قارب الصحيح، لا سيما وقد وجد من قواه من المحدثين، لذا اعتبره العلماء من أعلى مراتب الحديث الضعيف ..
وأكثر من يقوي هذا النوع المعتبر به من الضعيف هم الفقهاء المحدثين، أمثال الإمام أحمد، والمحدثين الفقهاء، أمثال أبو داود ..
2.الحديث المضطرب: المضطرب لغة مأخوذة من الاضطراب وهو الاختلاف والحديث المضطرب هو الذي يروى من وجوه مختلفة متساوية في القوة بحيث لا يمكن ترجيح وجه على آخر ..
يقول ابن الصلاح: ( المضطرب من الحديث؛ هو الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له، وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايتان )، ورد في "علوم الحديث" لابن الصلاح [ص: 269] ..
وقال أبو داود السجستاني: ( الاختلاف عندنا، ما تفرد قوم على شيء، وقوم على شيء )، ورد في "تهذيب الكمال" للمزي [ج26/ص: 431] ..
وقال شيخ الحافظ [ابن حجر العسقلاني]، وهو الحافظ العراقي: ( إن الحديث المضطرب، إنما تتساقط الروايات، إذا تساوت وجوه الاضطراب )، ورد في "طرح التثريب" [ج2/ص: 130]، وفي "التذكرة والتبصر" [ج1/ص: 240]، وهما للحافظ العراقي ..
ومعنى تساوي وجوه اضطراب الروايات عند المحدثين، هو أن تتعارض الوجوه المقتضية للترجيح، كما بين ذلك الحافظ العراقي في "التقييد والإيضاح" [ص: 104]، وصدقه على ذلك تلميذه الحافظ العسقلاني في "فتح الباري" [ج13/ص: 11] ..
والترجيح هو: تقويةإحدى الروايتين على الأخرى، بمرجح معتمد، كما بين ذلك ابن النجار في "المختبر المبتكر" [ج4/ص: 282] ..
ويكون الترجيح في الروايات التي تتعارض ولا يمكن الجمع بينها، كما يبن ذلك الباجي في "الإشارة" [ص: 303] ..
ويزول الاختلاف بين الروايات بالجمع بينها، من خلال إيجاد رابط يزيل الاختلاف، لأن الترجيح يلجأ إليه عند تعذر الجمع بين الروايات المختلفة، براوي ثقة ثبت، يكون رابط مشترك بين الروايات ..
وعند المحدثين الجمع أولى إذا أمكن، كما بين ذلك القرطبي في "المفهم" [ج3/ص: 280]، والحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح" [ج3/ص: 100]، وفي "التلخيص" [ج3/ص: 207] ..
لأن الجمع برابط مشترك في الروايات يزيل الاختلاف، ويستعاض به عن الترجيح، أما إن كان هناك صعوبة أو استحالة للجمع بين الروايات أصولا، فيبقى الخيار بالترجيح، عندها يعمل بالرواية المرجحة، وإلا فيغلب على الحديث الضعف، فيكون مضطرب؛اهـ
مواضع الاضطراب: قد يقع الاضطراب في السند وقد يقع في المتن، أو بالسند والمتن معا، ومن الأمثلة على الاضطراب في السند:
حديث زبد بن الأرقم رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: ( إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 49/ر:6]، صححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:6]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 154/ر:296]، صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:244]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج5/ص: 496/ر:18800]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج4/ص: 255/ر:1408]، وابن خزيمة في "صحيحة" [ج1/ص: 38/ر:69]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 297/ر:668]، على شرط مسلم، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:9581]، ووافقه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:2263]، وقال في "الصحيحة" [ر:1070]: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال: البزار في "البحر الزخار" [ج10/ص: 223]: [فيه اختلاف]، وقال ابن القطان في "الوهم والإيهام" [ج5/ص: 432]: اختلف في إسناده، والذي أسنده ثقة، وخلاصة حكمه: [مضطرب الصحة، يرجح قبوله بالصحاح] ..
جرحه وأعله ابن حبان في "المجروحين"، وابن عدي في "الكامل"، وابن القيسراني في "التذكرة"، وأجمعوا على أن أحمد بن العباس الهاشمي، لا يحل الاحتجاج به أو بروايته ..
ثم عاد ابن حبان ورجحه في "الثقات" بوجه رواية أخرى، قام بذلك أيضا ابن خزيمة في "التوحيد"، والحاكم في "المستدرك"، والسيوطي "الجامع"، والألباني في صحاحه المذكورة في سياق التخريج المرفقة بالحديث أعلاه ..
والوجه الثاني لاضطراب هذا السند: أنه اختلف فيه التسلسل والتفرع الوارد عن قتادة فقد رواه شعبة عن قتادة ورواه معمر عن قتادة، ورواه سعيد بن أبي عروبة عنه أيضا، فكلهم رواه عن قتادة عن النضر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن الأرقم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا الاختلاف بالسند يشعر بعدم الضبط، فاقتضى الحكم بالاضطراب والضعف ..
ويوجد اضطراب آخر للسند برواية الصحابة، ومثال ذلك:
عَنْ عَمْرٍو بن أبي عمرو [صدوق يهم]، عَنْ الْمُطَّلِبِ [صدوق كثير التدليس والإرسال]، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 572/ر:1851]، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" [ر:1851]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 203/ر:846]، قال أبو عيس: [لا يعرف للمطلب سماع من جابر ، وعمرو ضعيف]، ضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" [ر:846]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج5/ص: 205/ر:2827]، وقال: [فيه عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث]، ضعفه الألباني في "ضعيف النسائي" [ر:2827]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج4/ص: 335/ر:14478]، وصححه ابن خزيمة في "صحيحة" [ج4/ص: 180/ر:2641]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 649/ر:1748]، على شرط الشيخين، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:7235]، وضعفه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:4666]، وخلاصة حكمه: [مضطرب السند]..
ورغم أن الإمام الشافعي رجح العمل به كفقيه من ناحية الصحة المتن، حيث قال رحمه الله تعالى في "شرح العمدة" [ج2/ص: 162]: (أحسن حديث في هذا الباب وأقيس)؛اهـ
إلا أنه عند المحدثين مضطرب السند، لأن عمرو بن أبي عمرو المدني، رواه فاضطرب فيه، فرواه مرة عن المطلب عن جابر، وأخرى عن المطلب عن أبي موسى الأشعري مرفوعا، وفق تخريج الطحاوي في "المعاني" [ج2/ص: 171]، ومرة رواه عن رجل من بني سلمة عن جابر مرفوعا، وفق تخريج الإمام الشافعي في "الأم" [ج5/ص: 398/ر:6759] ..
وقد أعله باضطراب السند من الحفاظ المحققين كل من الغماري في "الهداية" [ج5/ص: 323]، وابن التركماني في "الجواهر" [ج5/ص: 191] ..
ومن الأمثلة على الاضطراب بالمتن ما ورد في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الزكاة، فقال: ( إن في المال لحقا سوى الزكاة ) ..
والرواية الأخرى : (إن في المال حق سوى الزكاة ) ..
فهذا الاختلاف الظاهر في المتن أورد ضعفا في الحديث واضطرابا لا يحتمل التأويل ..
ومثال آخر على اضطراب المتن:
حَدَّثَنَا ا بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عن ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنه، قَالَ : ( حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنِ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ )، رواه ابن ماجه في "سننه" [ج3/ص: 67/ر:3038]، ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" [ر:594]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج4/ص: 254/ر:13961]، وقال ابن الملقن في "خلاصة البدر" [ج2/ص: 29]: [مضطرب المتن وضعيف] ..
والرواية الثانية:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيل الْوَاسِطِيُّ، قَال: سَمِعْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ( كُنَّا إِذَا حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا نُلَبِّي عَنِ النِّسَاءِ وَنَرْمِي عَنِ الصِّبْيَانِ )، رواه رواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 266/ر:927]، وقال: حديث غريب، وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" [ر:927]، وخلاصة حكمه: [مضطرب المتن وضعيف] ..
إلا أن الرواية الأولى والتي فيها : (التلبية والرمي عن الصبيان )، هي الصواب بالمتن عند الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" [ج3/ص: 482]، وعند الحافظ ابن حجر العسقلاني في"تهذيب التهذيب" [ج9/ص: 57]..
والرواية الثانية والتي تنص على: ( التلبية للنساء والرمي عن الصبيان )، هي خطأ ومغلوطة المتن، عند الحافظ العراقي شيخ الحافظ ابن حجر كما ورد في "التقييد والإيضاح" [ص: 381]، وعند الحافظ الذهبي في "تهذيب التهذيب" لابن حجر [ج9/ص: 57] ..
لذلك ترجح الأولى بموافقة الفقهاء ..
والمثال على الإضراب المزدوج بالسند والمتن:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه: ( أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُمْ تَمَسَّحُوا وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّعِيدِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ ثُمَّ مَسَحُوا وُجُوهَهُمْ مَسْحَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ كُلِّهَا إِلَى الْمَنَاكِبِ وَالْآبَاطِ مِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 138/ر:318]، صححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:318]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 239/ر:571]، صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:469]، وقال الألباني في "تخريج المصابيح" [ر:536]: إسناده صحيح؛ وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
ورغم صحة إسناده وفق تحقيق المحدث الألباني، إلا أن فيه اضطراب بالسند والمتن معا ..
ففيه انقطاع بين عبيد الله وعمار، وقد أجمع على ذلك كل من الزيلعي في "نصب الراية" [ج1/ص: 155]، والعظيم آبادي في "غاية المقصود" [ج3/ص: 161]، وابن عبد الهادي تلميذ الحافظ ابن تيمية في "تنقيح التعليق" [ج1/ص: 216]، وأضاف آبادي، عن اضطرابه أنه اختلفوا في بالزهري:
فمرة رواه الزهري عن عبيد الله عن عمار، و الثانية أضاف أبا عبيد الله وهو عبد الله بن عتبة، قبل عمار ..
الرواية الثالثة:
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّسَ بِأُوَلَاتِ الْجَيْشِ وَمَعَهُ عَائِشَةُ زَوْجَتُهُ، فَانْقَطَعَ عِقْدٌ لَهَا مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ، فَحُبِسَ النَّاسُ ابْتِغَاءَ عِقْدِهَا وَذَلِكَ حَتَّى أَضَاءَ الْفَجْرُ ، وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُخْصَةَ التَّطَهُّرِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ( فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرَابِ شَيْئًا فَمَسَحُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى الْمَنَاكِبِ، وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إِلَى الْآبَاطِ ، وَلَا يَغْتَرُّ بِهَذَا النَّاسُ )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 139/ر:320]، صححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:320]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج1/ص: 182/ر:313]، صححه الألباني في "صحيح النسائي" [ر:313]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج5/ص: 327/ر:17858]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
قال أبو داود السجستاني في "سننه" [ج1/ص: 139]: اضطرب ابن عيينة فيه وفي سماعه من الزهري ولم يذكر أحد الضربتين إلا ابن إسحاق ويونس ومعمر ..
واضطراب المتن بين الرواية الأولى والثاني بضرب الأيدي، ففي الرواية الأولى مرتين: ( فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ..... ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى ... )؛اهـ
وفي الرواية الثانية ضرب الأيدي مرة واحدة: ( فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ.... )؛اهـ
حكم الحديث المضطرب: الاضطراب يوجب ضعف الحديث إلا إذا ترجحت إحدى رواياته، بأن كان الراوي أحفظ وأكثر صحبة للمروي عنه، أو أمكن الجمع بين روايات المتن، بحيث أن المتكلم عبر بلفظين أو أكثر عن معنى واحد، عندها ترجح الصحة على الضعف ..
أما إذا لم يمكن الجمع فلاضطراب واقع محقق ..
انظر في "التلخيص الحبير" لابن حجر [ج2/216]، و"شرح الإلمام" لابن دقيق [ج1/ص: 387]، و"ميزان الاعتدال" للذهبي [ج1/ص: 534]، و"الأجوبة المرضية" للسخاوي [ج1/ص: 131]؛اهـ
3.الحديث المقلوب: وهو الذي بدل فيه راوي بآخر في طبقته، أو أخذ إسناد متنه مركب على متن آخر أو بدل أصل المشهور في متنه بما لم يشتهر عمدا أو سهوا ..
يقول القاسمي : (المقلوب وهو ما بدل فيه راوٍ بآخر في طبقته أو أخذ إسناد متنه فركب على متن آخر ويقال له المركب )، ورد في "قواعد التحديث" للقاسمي [ص: 132] ..
وبهذا نرى المقلوب قسمان:
مقلوب في السند، ومقلوب في المتن ..
ومن الأمثلة على المقلوب في السند ما رواه جيري بن حازم عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوما حتى تروني أقوم .. ) ..
فهذا حديث انقلب سنده سهوا على جرير بن حازم، بينما هو مشهور عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك كما ورد في صحيح مسلم والنسائي ..
أما مثال المقلوب متنا: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، في صحيح مسلم في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله...... ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى تعلم يمينه )..
فهذا الحديث انفلت على أحد الرواة سهوا، والنص الصحيح، كما وردفي الصحيحين والموطأ وغيره :
( ... حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ... )، وهذا المتن الأخير هو المعمول به عند الفقهاء المجتهدين ودون النظر بالسند، لأنه ثابت عندهم شرعا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب التيمن بكل شيء، وأمر بالتيمن بكل فضيلة والإنفاق والصدقة من أعمال الفضائل والإحسان ..
كما أن اليمين من الناحية المعنوية، مأخوذة من الُيمن، وهي صفة الخير ..
حكم الحديث المقلوب: كل ما وقع من الراوي عن سهو أو غفلة، يجعل الحديث ضعيف، لضعف ضبط الراوي، ويجب رد الحديث إلى أصله الثابت والعمل بذلك الأصل الثابت ..
كيفية معرفة الحديث المقلوب:
يكون ذلك بالمقارنة بين طرق الرواية إن وجدت، وتتبعها إن لم تتوفر، ومعرفة من يروي عادتا عن من، وأساس معرفته مبنية على الخبرة، وتوثيق رواة المقلوب في مصنفات ..
يقول أبن معين: ( لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما علقناه )، ورد في "المجروحين" لابن حبان[ج2/ص: 33] ..
ويقول الحافظ العسقلاني [ابن حجر]: ( إنما يظهر أمر المقلوب بجمع الطرق، واعتبار بعضها ببعض، ومعرفة من يوافق ممن يخالف )، ورد في "النكت" لابن حجر [ج2/ص: 874] ..
ويقول الحاكم النيسابوري: ( إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط، إنما يعرف بالفهم والحفظ، وكثرة السماع، وليس لهذا النوع من العلم عون، أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة، ليظهر ما يخفى من علة الحديث )، ورد في "معرفة علوم الحديث" للحاكم [ص: 59 -60] ..
4.الحديث الشاذ: وهو أن يروي عدد من ثقات الرواة حديثا، فيشذ عنهم أحد الثقات، بالمخالفة، أو بتعبير آخر: هو ما رواه الثقة مخالفا فيه خيره أو غيره من الثقات ..
فإن خالف الثقة من هو أرجح منه بعدد الروايات أو مزيد الضبط، أو بعدد من الثقات الأقران المكافئين بذاتهم المتفوقين بعددهم، سمي الراجح بالمحفوظ، أما المرجح عليه فيسمى الشاذ، وعند المحدثين المتقدمين والفقهاء والأصوليين، إذا تفرد الثقة الثبت، برواية لم يخالفه بها غيره، أو حتى يروي روايته، كان تفرده صحيحا ومقبولا ..
تعريف الحديث الشاذ عند المحدثين:
وقال الحافظ الذهبي في تعريف الحديث الشاذ: ( هو ما خالف راويه الثقات، أو من انفرد به من لا يحتمل حاله قبول تفرده )، ورد في "الموقظة" للذهبي [ص: 18] ..
وفي لفظ آخر لابن دقيق العيد: ( هو ما خالف راويه الثقات، أو من انفرد به من لا يحتمل حاله أن يقبل ما تفرد به )، ورد في "الاقتراح" لابن دقيق [ص: 17] ..
تعريف الحديث الشاذ عند الفقهاء:
ويقول الإمام الشافعي: ( ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس )، ورد في "علوم الحديث" لابن الصلاح [ج1/ص: 76] ..
ويقول بلفظ آخر قال الشافعي: ( هو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس وليس من ذلك أن يروي ما لم يروي غيره )؛اهـ
شرط الشافعي والفقهاء في الشاذ هو نفس شرط المحدثين: وهو أن يكون الثقة قد روى رواية خالف به غيره من الثقات، لكن بتقديم شذوذ المتن المخالف لظاهر الشريعة، عن شذوذ السند ..
مخالفة ما يروى الناس قصد الإمام الشافعي بها، عرف المعقول، ومألوف الشريعة؛اهـ
وقد أوردنا بذلك أمثلة ببحث "الشذوذ" الذي يخل بصحة الحديث الصحيح من قبل، في بيان الشاذ والمحفوظ بالحديث الذي خالف بروايته الثقة حماد بن زيد، مثيليه بالثقة وهما ابن عيينة وابن جريج، وهو شذوذ في السند ..
وندرج مثال إضافي في شذوذ المتن، وهو ما رواه عبد الواحد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( إذا صلى أحدكم ركعتين الفجر فليضطجع عن يمينه... )
فقد رواه آخرون من الثقات إنه من فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لا من قوله ..
أي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع شقه على يمينه، فالرواية الشاذة هي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 404/ر:1261]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:1261]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج2/ص: 281/ر:420]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:420]،وقال الألباني في "تخريج المصابيح" لابن حجر [ر:1163]:إسناده صحيح، ورواه الإمام أحمد في مسنده[ج3/ص: 140 /ر:9104]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج6/ص: 220/ر:2468]، وصححه ابن خزيمة في "صحيحة" [ج2/ص: 167/ر:1120]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
والرواية المحفوظة هي:
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن )، رواه البخاري في "صحيحة" [ج1/ص: 389/ر:1107]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 453/ر:1198]، وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:993]: حسن صحيح؛ ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج7/ص: 362/ر:25637]، صححه شاكر في "مسند أحمد" [ج3/ص: 279]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:9739]، والألباني في "صحيح الجامع" [ر:4749]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
مثال آخر يجمع شذوذ السند والمتن:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بن راشد [ثقة ثبت فاضل]، عَنْ ابن شهاب الزُّهْرِيّ [الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانهِ]، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ [أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار]، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إذا وقعت الفأرة في السمن، فإن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 392/ر:3842]، ضعفه الألباني في "ضعيف أي داود" [ر:3842]، وقال: شاذ، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج7/ص: 201/ر:4271]، ضعفه الألباني في "ضعيف النسائي" [ر:4271]، وقال: شاذ، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج2/ص: 521/ر:7547]، صححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج14/ص:34]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج4/ص: 237/ر:1393]، وقال الألباني في "تخريج المصابيح" [ر:4053]، وخلاصة حكمه: [شاذ] ..
فقد وصف البخاري هذه الرواية كما ورد في "المحرر" لابن عبد الهادي [ص: 304]، بالخطأ، وقال في "عارضة الأحوذي" لابن العربي [ج4/ص: 233]، أنها لا تصح، وأصلها في صحيحة "صحيح البخاري":
َحَدَّثَنِي مَالِك، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزهري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ [ثقة فقيه ثبت]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال ألقوها وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم )، رواه البخاري في "صحيحة" [ج1/ص: 93/ر:223]، ورواه الإمام مالك في "الموطأ" [ج2/ص: 971/ر:862]، ورواه الدارمي في "سننه" [ج1/ص: 542/ر:2011]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
فهنا الشذوذ باللفظ "المتن" والسند ..
أما شذوذ السند في الرواية الأولى أن معمر بن راشد كان ثقة ثبت، لكنه أقل ثقة من عبيد الله بن عتبة، الذي كان ثقة ثبت وفقيه وهو راوي رواية البخاري ..
وشذوذ المتن في رواية معمر: [فإن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه]، فتكلم عن الحالة الجامدة والمائعة، أما رواية عبيد الله في البخاري وهي الرواية المحفوظة فكانت حول الحالة الجامدة فقط بلفظ: [ألقوها وما حولها فاطرحوه]؛اهـ
فهذه الرواية أوثق متنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله آتاه جوامع الكلم ومنطقه منطق اختزال القرآن بالدلالة، فلم يذكر طرح الفأرة مع ما حولها، لأنه أمر بديهي ولم يتطرق إلى المائع السمن وإن ساح فإنه يعزل بما لاصق منه الفأرة الضرر عن باقي السمن شرط أن لا تترك فيه طويلا؛اهـ
4.الحديث المنكر: وهو ما رواه الضعيف مخالفا به الرواة الثقات؛ فشرط المنكر يكمن في بندين: أولهما ضعف الراوي، وثانيها المخالفة للثقات؛ فالمنكر والشاذ اشتركا في مخالفة الرواة الثقات، وافترقا في كون راوي الشاذ ثقة ..
وقد نبه السيوطي رحمه الله في "ألفيته" لهذا الفرق فقال: ( من رأى ترادف المنكر والشاذ نأى )، ورد في "الألفية" للسيوطي [ص: 23] ..
وكان الحافظ السيوطي يقصد أيضا مساواة الشاذ بالمنكر من حيث حكم الرد؛اهـ
الفرق بين الشاذ والمنكر:
يكمن الفرق بإمكانية، العمل بالشاذ إن لم يكن الشذوذ في لفظ المتن النص، شرط أن يخضع لشروط تقوية الحديث الضعيف، ولضرورة الاحتجاج به إضرارا وليس اختيارا، مع فقد البديل النصي الأقوى من ناحية الإسناد، فيقدم العمل به بصحة المعنى أصولا، لا بنسبته لمنتهاه صلى الله عليه وآله وسلم ..
ولا ينطبق هذا على المنكر لأنه عند الفقيه المحدث الإمام أحمد، يجوز الُعمل بالضعيف إذا دعت الضرورة ومنها الشاذ، أما المنكر أبدا منكرا ..
وهنا الشذوذ المقصود بالحالة الأخيرة التي قد تقبل ليس بمخالفة الثقة الأوثق، وإنما أن يروي راوي ثقة في نفس سند الرواية، عن مروي عنه أوثق، لم يحفظ عنه ضمن المألوف والمعروف أنه سمع عنه، ولكن مع عدم الجزم عند أغلبية أئمة الحديث على هذا الشذوذ، أي من باب الشك والظن؛اهـ
أما إن أجمع العلماء عل عدم اللقاء تلقيا لسند متصل أو مذاكرة دون بين السند للمروي له، فإن هذا الشذوذ يتساوى مع الإنكار بالحكم ويكون الحديث شاذ مردود؛اهـ
وأول من عرف الحديث المنكر بعد الإمام مسلم، بتوثيق ابن الصلاح هو "البرديجي" حيث يقول: ( الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته، إلا من الوجه الذي رواه منه، ولا من وجه آخر )، ورد في "معرفة الحديث" لابن الصلاح [ص: 244] ..
وللبرديجي صيغة أخرى لتعريف الحديث المنكر وثقها ونقلها له ابن رجب، وهي قوله رحمه الله: ( إن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة، ولا يعرف ذلك الحديث، إلا من الطريق الذي رواه، فيكون منكرا )، ورد في "شرح الترمذي" لابن رجب [ج1/ص: 45]؛اهـ
شرح التعريف الأول للبرديجي وفق فهم ابن الصلاح: فقول البرديجي : (الحديث الذي ينفرد به الرجل )، وهنا التفرد مطلق في مجال الرواية لسند الآحاد المفرد، دون تحديد حالة الراوي أهو من الثقات أم من الضعفاء، ومن هنا جاءت، المساواة بين الشاذ بالمنكر عند المحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين ..
وقول البرديجي: ( ولا يعرف متنه من غير روايته )، يدل أن البرديجي أجمل الحديث الغريب بحكم المنكر، ويستدل على ذلك من قوله بنقل ابن رجب حيث يقول بشكل شارح: ( إن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة )؛ اهـ
ولكن يأتي السؤال الآن لما أجمل البرديجي التفرد المتصل السند، الذي روي عن صحابي واحد، وهو ما يعرف بالغريب، وما خالف به الراوي الثقة رواية من هو أوثق منه بعدد النقول أو نوعها، أو خالف بروايته عدد من أقرانه بالثقة، وهو الشاذ، أو خالف الضعيف الثقة وهو المنكر؟ ..
وللإجابة على ذلك نقول: أن هذه الاصطلاحات للتفرد المتصل، لا تخرج عن دائرة الظن أو ما دون اليقين، بنسبة هذه المتون المنقولة لأصلها، وذلك خشية الوقوع بالإثم وهو هنا الكذب الثاني أو الكذب الظني لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ...) [الحجرات : 12] ..
وعملا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه، وآله وسلم: ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ )؛اهـ
إلا أن المتقدمين رغم أنهم وافقوا البرديجي في تقعيده بإنكار ورد السند، بمساواة الشاذ مع المنكر، إلا أنهم خالفوه في بعض حالات الغريب أو بخبر الآحاد، وذلك في حالة كان الراوي المنفرد مشهود له بأنه عدل ضابط تام [ثقة ثبت]، وامتدت هذه القاعدة عند المتقدمين لتشمل المرسل رغم أنه من فئة المنقطع السند، كما يبين ذلك ابن رجب بقوله: ( وأما أكثر الحفاظ المتقدمين، فإنهم يقولون بالحديث إذا انفرد به واحد، ولم يروي الثقات خلافه: أنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه، كالزهري ونحوه )، ورد في "شرح العلل" لابن رجب [ج1/ص: 352] ..
والسبب أن شيوخ الثقات بالرواية، كانوا في ذات الوقت شيوخ أئمة التخريج والاستخراج من المحدثين المتقدمين، أمثال قتيبة شيخ الشيخين وابن عتيبة، والأوزاعي والزهري وغيرهم من كبار التابعين ..
وللعلماء الأصوليين والفقهاء مقال في خبر الآحاد أيضا، تطرق إليه لاحقا ..
ومن الأمثلة على الحديث المنكر: ما رواه أبو حاتم من طريق حبيب بن حبيب الزيات، عن ابن إسحاق، عن البيزار بن حريث عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحج وصام، وقرى الضيف، دخل الجنة )، رواه الصنعاني عبد الرزاق في "مصنفه" [ج11/ص: 274/ر:20529]، رواه الطبراني في "الكبير" [ج12/ص: 106/ر:12692]، قال الحافظ العسقلاني بحكمه في "نزهة النظر" [ص: 99]: [منكر] ..
قال أبو حاتم في هذا الحديث: ( هو منكر لأن حبيب من الثقات رواه غير أبي إسحق موقوفا عن ابن عباس )، انظر في "علل الحديث" [ج2/ص: 182]، وفي "الجرح والتعديل" [ج3/ص: 309]؛ لابن أبي حاتم؛اهـ
ومن الأمثلة أيضا حديث أبي الزبير المكي، قال: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن ثمن السنور والكلب، فقال: ( زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن ذلك )،(1)..
أخرجه مسلم والنسائي، قال: أخبرنا إبراهيم بن الحسن قال: أنبأنا حجاج بن محمد عم حماد بن سلمة، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( نهى عن ثمن الكلب والسنور [القط] إلا كلب الصيد )، رواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 578/ر:1281]، وقال في حكمه: [هذا حديث لا يصح من هذا الوجه]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج7/ص: 355/ر:4682]، وقال في حكمه: [ وحديث حجاج عن حماد بن سلمة ليس هو بصحيح "هذا منكر" ]، فقد تفرد رجاله برواية "إلا كلب صيد"، وقد أصبح هذا الحديث منكرا عند بعض العلماء الذين قالوا: ما تفرد به الثقة فهو منكر ..
ومن الأمثلة أيضا على الحديث المنكر للأهمية، حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان يقلم أظافره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة )، (2) ..
وفي سنده "إبراهيم بن خزاقة الجمحي" غير معروف، فقال الذهبي: هذا خبر منكر ..
ومن الأمثلة أيضا على الحديث المنكر، ما رواه الإمام مالك، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمر بن عثمان بن عفان، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم )، (3) ..
وهذا الحديث متفق على صحته، إلا أن الإمام مالك خالف غيره من الثقات في قوله عُمر بن عثمان [عمر بضم العين]، وذكر الإمام مسلم بن الحجاج، أن ما رواه أصحاب الزهري قال فيه عَمر [بفتح العين]، فاعتبر هذا الحديث "منكر" أي رواية مالك، لأنه خالف وأعني مالك الثقات الذين رووه عن عمر [بفتح العين]، لذا حكم مسلم على مالك بالوهم فيه، أي بابن عثمان، فرواية الثقة تجعل الحديث من حيث سنده "معروف" وهو عكس المنكر ..
ومن هذا المثال نجد أمانة ودقة المحدثين بتخريج الحديث بعد ضبطه، وحرصهم أن يوصلوا لنا الموثوق بمنتهاه عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ..
وهذه الأمثلة السابقة أكثرها في مخالفة السند، أما أمثلة من أمثلة مخالفة السند والمتن :
ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ، وَكَثْرَتُهُمْ أَحَدُ الْفَقْرَيْنِ)،(4) .. هذا الحديث منكر مخالف في السند وظاهر المتن لكل من:
عن التابعي سعيد بن أبي هلال، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ : ( تَنَاكَحُوا، تَكْثُرُوا، فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَنْكِحُ الرَّجُلُ الشَّابَّةَ الْوَضِيئَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِذَا كَبِرَتْ طَلَّقَهَا، اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، إِنَّ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يُطْعِمَهَا ويَكْسُوَهَا، فَإِنْ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ يَضْرِبُهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ )،(5) ..
وما رواه معقل بن يسار، وأنس بن مالك، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ )، (6)..
الحديث الذي يأمر بقلة العيال ظهار متنه مخالف عند المحدثين، أما عند الفقهاء فالأمر يختلف ؟؟!! ..
فالأحاديث المخالفة المرجحة المعروفة عند المحدثين، تدعوا إلى الزواج والإنجاب دون اٌلإكثار فمقدمة حديث الودود الولود: [ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ قَالَ : " لَا " ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ ، فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ :تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ .... الحديث ] ..
فالحديث سببه تفضيل الزوج الولود على العاقر العجوز والعقيم الشابة من النساء، والحديث الذي قبله المخالف "المعروف"، أمر اجتماعي إسلامي بوجود الإنجاب بقصد النكاح وليس المتعة والستر فقط، دون الإشارة إلى كثرة الإنجاب ..
لذلك نجد أن حديث اليساريين، رواه ابن عمر مرفوعا، وهو من العبادلة فقهاء الصحابة، ومن قاله موقوفا عليه هو إمام الفقه في الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ومن قاله مقطوعا عليه من التابعية هو من فقهاء المدينة السبعة وهو ابن المسيب ..
ومن الناحية العملية فإن كثرة العيال فقر في العرض، لكثرة الاحتياجات، وفقر في النفس وبركة العمر، للانشغال في العمل لـتأمين رزقهم، وانشغال بمشاكل وتربية والعدل بين الأولاد على كثرتهم، ويوثق ذلك ما ورد في مضمون أصدق الحديث وهو كتاب الله، حول أن كثرة أولاد النبي يعقوب عليه السلام، رغم أنه نبي، أدت إلى ضغوط نفسية سببت له مرض القرحة وقيل مرض السكر وأخيرا العمى ؛اهـ
ونختتم الآن أمثلة المنكر بحديث جعله الإمام الفقيه المحدث "أحمد بن حنبل" رحمه الله تعالى، منكرا بالسند رغم أنه أدرجه في "مسنده" وهو من كتب الصحاح التسعة، وذلك لاعتبار إنكار في متن الحديث ..
وهو حديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ [ثقة حافظ]، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ [ثقة]، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ [صدوق حسن الحديث]، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ [ثقة]، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ سورة التوبة آية 18 )، (7) ..
هذا الحديث يأخذ مرتبة الحسن عند المحدثين من غير الحنابلة وعلى وجه الخصوص الشافعية، وهو حسن لأن فيه دراج حسن الحديث صدوق ..
والشافعية يرونه صحيح لشاهدة حافظين باستقامة حديثة وثلاثة حفاظ قالوا أنه ثقة ..
لذلك نجد الحاكم النيسابوري يقول فيه: هذه ترجمة للمصريين [الشافعية]لم يختلفوا في صحتها و صدق رواتها، غير أن شيخي الصحيح لم يخرجاه، و قد سقت القول في صحته ما تقدم ..
أما الحنابلة فيضعفوه أسوة بحكم الإمام أحمد به، الذي قال في الراوي "دراج": أحاديثه أحاديث مناكير..
وأيده بذلك وخصوصا برواية دراج عن أبي الهيثم كل من السجستاني " أبو داود" والنسائي، والعسقلاني "ابن حجر"، والدولابي ..
وسبب إنكار الإمام أحمد لمتن هذا الحديث، هو دقة الحكم الفقهي في سلوك الإيمان، لأن اعتياد المساجد قد يصدر من مرائي مغرض أو حتى من منافق مستتر، أو مسلم معتقد لم يدخل الإيمان قلبه، ولا ينحسر بالمؤمن كم يشير ظاهر الحديث ..
بل وجد ابن حنبل، أن علامة المؤمن ليست بمتابعة الصلاة في المسجد كعادة بل كتعلق نفسي، بدافع داخلي أيماني إدماني وليس اعتيادي، لقوله تعالى: ( إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً )[النساء : 103] ..
وفيما صح باتفاق الشيخين: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ: ..... وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ [وفيرواية مسلم، والترمذي وصحيح ابن حبان] : إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ ..... الحديث )
أما الإمام الشافعي فوجد قبول متن الحديث بكامل حيثياته، ترغيب في الصلاة في المسجد بفضل صلاة الجماعة، قد يفضي حال المصلى للإيمان، ووجد في الآية المرفقة لمتن الحديث فيها تعضيد لمتن الحديث وصحته بالدلالة والسند ..
وفي كلا الرأيين خير وصواب؛اهـ
----------
(1) رواه مسلم في "صحيحة" [ج10/ص: 478/ر:3991]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج4/ص: 376/ر:14728]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج11/ص: 314/ر:4940]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
(2) رواه البيهقي في "الشعب" [ج3/ص: 24/ر:2763]، ورواه الطبراني في "الأوسط" [ج1/ص: 348/ر:846]، ضعفه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:7131]، والألباني في "ضعيف الجامع" [ر:4596]، وخلاصة حكمه: [منكر] ..
(3) رواه الشيخان، البخاري في "صحيحة" [ج6/ص: 2484/ر:6383]، ومسلم في "صحيحة" [ج11/ص: 53/ر:4116]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 140/ر:2909]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 369/ر:2107]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج2/ص: 482/ر:2729]، ورواه الدارمي في "سننه" [ج2/ص: 827/ر:2885]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج6/ص: 260/ر:21240]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج13/ص: 394/ر:6033]، وابن خزيمة في "صحيحة" [ج4/ص: 322/ر:2984]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..
(4) رواه السخاوي في "المقاصد الحسنة" [ر:731]، وقال: أخرجهالقضاعي عن علي، والديلمي عن عبد اللَّه بن عمر وابن هلال المزني، كلاهما بالشطر الأول مرفوعا بسندين ضعيفين، واللفظ بتمامه في الإحياء، وهو يصح موقوفا على الإمام علي كرم الله وجهه كما ورد في "نهج البلاغة"للإمام علي [ح141/ص495] ح:الحكمة، ومقطوعا على سعيد بن المسيب، كما ورد في "العيال" لابن أبي الدنيا [ر:100] وابن المسيب تابعي من الفقهاء السبعة رفع له مراسيل الإمام الشافعي وقال فيه "أفضل التابعين" ..
(5) رواه مرسلا عن ابن أبي هلال، عبد الرزاق في "مصنفه" [ج7/ص: 470/ر:13930]، وقال: في حكمه: إسناده حسن رجاله ثقات عدا هشام بن سعد القرشي وهو صدوق لهأوهام [حسن الحديث، وفق الذهبي]، وقال ابن حجر في "الباري" [ج9/ص: 13]: ذكر بلاغا عن ابن عمر، حكم بإرساله كل من السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:3366]، والغزي في "الإتقان" [ج1/ص: 207]، والعجلوني في "الكشف" [ج1/ص: 380]، وضعفه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:2484]، وفي "السلسلة الضعيفة" [ر:3480]، لأنه من المحدثين الذين يضمون المرسل إلى الضعيف الغير معمول به، وخلاصة حكمه: [حسن] ..
سبب تحسينه أن رواة ثقات عدا القرشي فهو حسن الحديث، والتابع المرسل، ثقة عند البيهقي، والقرطبي، والدارقطني، وابن خزيمة، وغيرهم، وقال مصنفوا تحرير "تقريب التهذيب" : ثقة، إن صح قول أحمد، فلا سلف له في ذلك ولا خلف، فهو حسن وفق شرطية الشافعي في المراسيل وتزكية الإمام أحمد ..
(6) رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 625/ر:2050]، بلفظه، ورواه النسائي في "سننه" المجتبى" [ج6/ص: 373/ر:3227]، دون لفظ [الأمم]، وصححه له الألباني في "صحيح النسائي" [ر:3227]، ورواه الإمام أحمد في "مسند" [ج4/ص: 132/ر:13157]، بلفظ [مكاثر بكم الأنبياء]، وحسن لفظ أحمد، كل من ابن حجر في "بلوغ المرام" [ر:289]، والهيثمي في "الزوائد" [ج4/ص: 261]، وصحح لفظ أبي داود كل من ابن حبان في "صحيحة" [ج9/ص: 363/ر:4056]، والحاكم في "المستدرك" [ج2/ص: 176/ر:2685]، والوادعي "الصحيح المسند" [ر:1143]، والألباني في "صحيح أبي داود" [ر:2050]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:3286]، وصححه له الألباني في "صحيح الجامع" [ر:2940]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
(7) رواهالترمذي في "سننه" [ج5/ص:258/ر:3093]،وقال حسن غريب؛ ضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" [ر:3093]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج3/ص: 479/ر:11256]، حسنه أبو نعيم في "الحلية" [ج8/ص: 327/ر:12841]، والبيهقي في "سننه الكبرى" [ج3/ص: 66/ر:4599]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج5/ص: 6/ر:1721]، ابن خزيمة في "صحيحة" [ج2/ص: 379/ر:1502]، والحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 332/ر:770]، وضعفه كل من ابن رجب وابن مفلح، ونكره الإمام أحمد؛ وخلاصة حكمه : [حسن] ..
5.الحديث المتروك: وهو الحديث الذي لم ثبت وضعه أو أنه مكذوب، ولكن رواه راوي واحد متهم بالوضع أو الكذب في الحديث، أو أن يكون هذا الراوي ظاهر الفسق، بقول أو فعل، أو فاحش الخطأ، كثير الغفلة، أو كثير الوهم، ومرجح لهواه، ولا يعرف هذا الحديث إلا من جهته، أي تفرد به ..
قال السيوطي: (أن المتروك من اتهم بالكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرف الحديث إلا من جهته ،ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة ويدخل في ذلك من عرف بالكذب في حديثه مع الناس )، ورد في "تدريب الراوي" للسيوطي [ج1/ص: 498] ..
والفرق بين الموضوع والمتروك، أن الأول ثبت به الكذب من متهم بالكذب، أما الثاني وأعني المتروك ففي رواته من هو متهم بالكذب، دون أن يثبت كذبه في هذه الرواية ..
أي أن ترك ورد العمل الحديث الموضوع علاجي، أما ترك المتروك فهو وقائي؛اهـ
ومثال على الحديث المتروك:
عن الحسن بن أبي الحسن، عن جد الحسن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وآلهِ وَسَلَّمَ، أنه قال : ( إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ الْحَسَنِ : الْخُلُقَ الْحَسَنَ )، رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" [ج13/ص: 116/ر:5031]، ضعفه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:2182]، ووضعه الألباني في "ضعيف الجامع" [ر:1373]، وخلاصة حكمه: [متروك]..
وهو ‘حديث متروك‘ العمل به مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن يعمل به موقوفا على الحسن بن علي رضي الله عنهما..
وهو مصطنع بهذا السياق اللفظي في المسلسلات أوفي "أحاديث المسلسلات" للطريثيثي [ج1/ص:2/ر:1]؛اهـ
وفي "مسند الشهاب" للقضاعي [ج1/ص: 83/ر:927]، ذكر أن في روايته متهمين بالوضع،حيث قال: [إسناد فيه راويان كذابان يضعان الحديث هما محمد بن إسم
- AAMER
- عدد المساهمات : 5112
تاريخ التسجيل : 19/09/2012
تاريخ الميلاد : 01/06/1989
المزاج : xxxgod
نقاط النشاط : 20309
السٌّمعَة : 0
العمر : 35
رد: الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الثالث]
02/11/12, 06:24 pm
مآ شآء آلله سلمت آيآديگ على موضوگ آلمميز و چعلهآ في ميزآن حسنآتگ
- énergie
- عدد المساهمات : 410
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
تاريخ الميلاد : 01/03/1987
المزاج : الحمد لله
نقاط النشاط : 4756
السٌّمعَة : 0
العمر : 37
رد: الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الثالث]
30/11/13, 12:12 am
شكرا على الموضوع بارك الله فيكم اخوكم انيرجى
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى