الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الثاني]
02/11/12, 03:38 pm
الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الثاني]
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن نكمل مصطلحات الحديث سوف نتكلم قليلا عن المحدثين وشروط مراتبهم ..
مراتب وألقاب العلماء المحدثين:
يطلق لقب "المحدث" على الراوي المكثر من الرواية والاعتناء بالمرويات ..
وقال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس في بيان لقب رتبة أو صفة المحدث : ( وأما المحدث في عصرنا فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه خطه، واشتهر فيه ضبطه)؛اهـ
ثم يتابع الشيخ فتح الدين في نفس المرجع، ليبين مرتبة أعلى من مرتبة المحدث في علم الحديث، وهو لقب "الحافظ" حيث يقول بهذا: ( فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة، بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله منها، فهذا هو "الحافظ"، وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من قولهم 'كنا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب عشرين ألف حديث في الإملاء' فذلك بحسب أزمنتهم ) ؛ انتهى ›› اهـ . ورد في "تدريب الراوي" للسيوطي [ج1/ص: 48] ..
وسئل الشيخ فتح الدين في موضع آخر عن حد المحدث والحافظ فأجاب: (المحدث في عصرنا هو من اشتغل بالحديث رواية ودراية وكتابةً، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتبصر بذلك حتى حفظه واشتهر فيه ضبطه )؛اهـ. ثم تابع بعد ذلك ليجيب على مرتب الحافظ: ( فإن انبسط في ذلك وعرف أحوال من تقدم شيوخه وشيوخ شيوخهم طبقة طبقة بحيث تكون السلامة من الوهم في المشهورين غالبة ويكون ما يعلمه من أحوال الرواة كل طبقة أكثر مما يجهله فهذا حافظ ؛ وأما ما نقل عن المتقدمين في ذلك من سعة الحفظ فيمن يسمى حافظاً والدأب في الطلب الذي لا يستحق الطالب أن يطلق عليه محدث إلا به ، كما قال بعضهم : 'كنا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء'، فذلك بحسب أزمنتهم )، ورد في "النكت" للزركشي [ج1/ص: 53] ..
ومن أمثلة من حاز على مرتبة ولقب "الحافظ "، الحافظ ابن حجر العسقلاني، والحافظ الذهبي، والحافظ السخاوي، والحافظ ابن خزيمة وغيرهم من الحفاظ ..
وللحافظ ابن حجر العسقلاني، رأي مهم برتبة "الحافظ" بالحديث حيث يقول: (: للحافظ في عُرف الْمُحَدِّثين شُروط إذا اجتمعت في الراوي سَمّوه حَافِظًا :
1- وهو الشهرة بالطلب والأخذ من أفواه الرجال لا مِن الصُّحف .
2- والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم ..
3- والمعرفة بالتجريح والتعديل، وتمييز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره مع استحضار الكثير من المتون ..
فهذه الشروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظا )؛ انتهى ›› اهـ . ورد في "النكت" لابن حجر [ص: 5] ..
وقيل الحافظ من برع في التصحيح والتضعيف، والتخريج والاستخراج ..
ومن مراتب المحدثين العليا مرتبة "الإمام" وهو شيخ الحديث قال المناوي في "اليواقيت والدرر": (الإمام : من يُؤتم، أي : يُقْتَدَى به )؛ وقال الملا علي القاري في "نزهة النظر": (الإمام أي المقتدى به )؛اهـ
وأئمة الحديث هم الشيخان، الإمام البخاري، و تلميذه الإمام مسلم ..
ومن أعلى مراتب المحدثين أيضا مرتبة "الحاكم" ..
يقول حسن المشاط: ( الحاكم: من أحاط علمه بكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم )، ورد في "رفع الأستار" للمشاط [ص: 9] ..
وقال ملا علي القاري: ( الحاكم وهو الذي أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متناً وإسنادا وجرحاً وتعديلاً وتاريخاً، كذا قاله جماعة من المحققين )؛اهـ . ورد في "نزهة النظر" للقاري [ص: 5] ..
ومن أمثال الحاكم،الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، حيث قيل أن ابن حنبل يحفظ ستمائة ألف حديث وقيل ألف؛ ألف حديث رواية ودراية، وتحقيقا ..
يقول أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى : ( كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف؛ ألف حديث )، ورد في "تهذيب التهذيب" لابن حجر [ج1/ص: 74] ..
فقهاء الحديث:
وقال الجرجاني : الفقه هو في اللغة : عبارة عن فَهم غَرض المتكلِّم مِن كلامه ..
وفي الاصطلاح : هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب مِن أدلتها التفصيلية . وقيل : هو الإصابة والوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلق به الْحُكْم ، وهو عِلم مُستنبط بالرأي والاجتهاد ، ويحتاج فيه إلى النظر والتأمل ..
وقال المرداوي : والفقيه مَن عَرَف جُملة غالبة كذلك بالاستدلال . يعني : الفقيه في اصطلاح أهل الشرع ..
وقال : وقيل : الفقيه : مَن له أهليّة تامّة يَعرِف الْحُكْم بها إذا شاء مع معرفة جُمَلاً كثيرة من الأحكام الفرعية ، وحضورها عنده بأدلتها الخاصة والعامة ..
والفقيه أيضا من فقه الشيء أي أدرك أغواره، أو سره، بأن فهمه فهما سديدا ..
الفرق بين المحدث والفقيه في علم الحديث: نجد أن المحدث يعتني بالجانب التقعيدي والتوثيقي للنقل، بإثبات أن الحديث مرفوع لمنتهاه، أما الفقيه فهو الذي يعتني بالجانب التطبيقي والتصديقي لصحة متن الحديث باللفظ والمعنى، وفق ميزانه الأصولي الثابت في القرآن والسنة المتواترة التي أجمع عليها علماء الأمة تحقيقا وسندا ..
والفقهاء هم أصحاب القرار في قبول الحديث والاحتجاج به، أو رده وهجره وحتى نسخه ..
وقاعدتهم بذلك: ( كل ما نافى الأصول، وخالف المعقول فهو رد )..
يقول ابن الجوزي في موضوعاته: ( كل حديث رأيته يخالفالمعقول، أو يناقض الأصول، فأعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره )، ورد في "الموضوعات الكبرى" لابن الجوزي [ج1/ص: 106] ..
وفقهاء الحديث يصنفون لثلاثة أصناف منهم ما يسمى "الفقيه المجتهد"، أمثال الإمام الشافعي، وشيخه وكيع بن الجراح، والإمام مالك إمام دار الهجرة ..
ومنهم من يسمى "الفقيه المحدث"، أمثال الإمام أحمد بن حنبل، والإمام النووي ..
وأخيرا "المحدث الفقيه" وهم أصحاب الكتب الستة، وأهمهم شيخي الصحيح، البخاري ومسلم، وأئمة السنن وعلى رأسهم أبو داود السجستاني، وأبو عيسى الترمذي ثم أبو عبد الرحمن النسائي..
ملخص تراجم بعض الفقهاء المجتهدين:
الإمام الشافعي:
هو محمد بن إدريس بن العباس، أبو عبد الله القرشي، الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة، (ت:204). قال أحمد: إن الله تعالى يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت رجلا قط أكمل من الشافعي. وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثا خطأ. وقال الذهبي: كان حافظا للحديث بصيرا بعلله لا يقبل منه إلا ما ثبت عنده..
وكيع بن الجراح:
هو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، الإمام، الحافظ، الثبت، محدِّث العراق، أحد الأئمة الأعلام، (ت:197). قال ابن عمار: ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث منه. قال أحمد بن حنبل: ما رأت عيني مثل وكيع قطُّ يحفظ الحديث، ويذاكر بالفقه فيحسن، مع ورع واجتهاد، ولا يتكلم في أحد.. وقال ابن المدينى: كان وكيع يلحن، ولو حدث بألفاظه لكان عجبا. وقال المروزى: كان يحدث بآخره من حفظه فيغير ألفاظ الحديث، كأنه كان يحدث بالمعنى، و لم يكن من أهل اللسان ..
الإمام مالك:
هو مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي المدني إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأعلام، أبو عبدالله، وأحد الأئمة الأربعة. أجمعت طوائف العلماء على إمامته، والإذعان له في الحفظ والتثبيت، (ت:179). قال يحيى بن سعيد: ما في القوم أصح حديثا من مالك. وقال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم. قال ابن حبان: كان مالك أول من انتقى الرجال من الفقهاء بالمدينة، و أعرض عمن ليس بثقة فى الحديث، و لم يكن يروى إلا ما صح، ولا يحدث إلا عن ثقة. وقال يحيى بن معين: كل من روى عنه مالك بن أنس فهو ثقة إلا عبد الكريم البصري أبو أمية ..
ملخص تراجم بعض الفقهاء المحدثين:
الإمام أحمد:
هو أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله، إمام الأئمة, وعالم الأمة، (ت:241) . قال الشافعي: خرجت من بغداد فما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه. وقال أبو عبيد القاسم: انتهى علم الحديث إلى أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبي بكر بن أبي شيبة وكان أحمد أفقههم فيه. وقال الذهبي: والمعتدلُ (أي في الجرح) فيهم: أحمد بن حنبل. وقال الإمام أحمد: إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد ..
الإمام النووي:
هو يحيى بن شرف بن مُرِّي، محيي الدين أبو زكريا النووي الشافعي، الإمام الحافظ (ت:676). قال ابن العطار: كان ... حافظا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عارفا بأنواعه من صحيحة وسقيمة وغريب ألفاظه واستنباط فقهه. قال النووي في أحاديث الترغيب والترهيب، وفضائل الأعمال ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الأحكام: وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه..
ملخص تراجم بعض المحدثين الفقهاء:
الإمام البخاري:
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، أبو عبد الله الجعفي, البخاري، الإمام المحدث العلم, إمام أهل الحديث في زمانه, (ت: 256) . وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري. وقال الترمذي: لم أرى أحدا بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل. وقال ابن حجر: جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث. وقال أيضاً: والبخاري في كلامه على الرجال توقٍّ زائد وتحرٍّ بليغ. قال الذهبي: والمعتدلُ (أي في الجرح) فيهم: أحمد بن حنبل، والبخاري، وأبو زُرْعَة ..
أبو داود:
هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق، أبو داود السجستاني، الإمام الثبت سيد الحفاظ صاحب السنن,أحد الكتب الستة، (ت: 275). قال الحاكم أبو عبدالله: أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة. وقال أحمد بن محمد بن ياسين الهروي: كان أحد حفّاظ الإسلام لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وعلله، وسنده، في أعلى درجة النُّسك والعفاف والصَّلاح والورع. من فرسان الحديث. وقال الذهبي: كان رأسا في الحديث، رأسا في الفقه.
الترمذي:
هو محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، الحافظ، العلم، الإمام، البارع، مصنف الجامع، أحد الكتب الستة, وكتاب " العلل "، وغير ذلك، (ت:279). قال ابن حبان: كان أبو عيسى ممن جمع، وصنف، وحفظ، وذاكر. وقال المزي: أحد الأئمة الحفاظ المبرزين، ومن نفع الله به المسلمين. وقال الخليلي: الحافظ متفق عليه... وهو مشهور بالأمانة والإمامة والعلم. وقال الذهبي: يترخص في قبول الأحاديث، ولا يُشدد، ونفَسه في التضعيف رخو. وقال أيضاً: فلا يُغتَر بتحسين الترمذي. فعند المحاقَقَةِ غالبُها ضعاف. وقال ابنُ دِحْيَة: «وكم حَسَّن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة وأسانيد واهية!
النسائي:
هو أحمد بن شعيب بن علي، أبو عبدالرحمن النسائي، صاحب السنن أحد الكتب الستة، الإمام الحافظ الثبت، ناقد الحديث، (ت:303) . قال الدارقطني: كان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعلمهم بالحديث والرجال. وقال سعد بن علي الزنجاني: إن لأبي عبدالرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم. وقال الذهبي: كان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرجال،... ولم يبق له نظير في هذا الشأن. وقال: لا يوثق أحداً إلا بعد الجهد. وقال أيضا: حسبك بالنسائي وتعنته في النقد.
------------------
نعود الآن لبحث الحديث الصحيح، وقبل أن نخوض بأقسامه ومراتبه وأنواعه، نأتي بمثال للحديث الصحيح التام الثابت بإجماع الأمة سندا ومتنا ..
ومثال ذلك ما رواه الشيخان البخاري ومسلم عن شيخهما قتيبة بن سعيد الثقفي، حيث قالا:
حدثنا قتيبة بن سعيد، عن جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: (أمك)، قال: ثم من؟، قال: (أمك)، قال: ثم من؟، قال: (أمك)، قال: ثم من؟، قال: (أبوك)، رواه الشيخان، البخاري في "صحيحة" [ج5/ص: 2227/ر:5626]، ومسلم في "صحيحة" [ج16/ص: 318/ر:6447]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..
وقد تفرد بتخريجه الشيخين البخاري ومسلم لأنهما أخذاه من شيخيهما قتيبة بن سعيد، وهو أعني قتيبة بإجماع علماء الرجال، والجرح والتعديل، ثقة ثابت، أو عدل تام ضابط، وقال فيه ابن حبان في "الثقات" [ج9/ص: 20]عنه: ( من المتقنين في الحديث، ومن المتبحرين في السنن )؛اهـ
وشيخ شيخين الحديث أخذ روايته عن جرير وهو متفق على ثقته كما قال أبو يعلى، أي أنه عدل ضابط أيضا، وجرير أخذ عن عمارة وهو عدل ضابط، وعمارة أخذ عن أبي زرعة وهو تابعي عدل ضابط، وهو من أخذ عن الصحابي الجليل أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه وأرضاه ..
وأبو هريرة بدوره سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..
من خلال ما ذكرناه تبين لنا معنى اتصال السند، إضافة إلى أن جميع الرواة لهذا الحديث ثقات أصحاء من حيث العدل والضبط اشتهروا بذلك بإجماع العلماء ..
أما متن الحديث أو لفظه، فهو موافق لما ورد في كتاب الله، في قوله تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )[الإسراء : 23] ..
فالحديث المذكور أعلاه صحيح بذاته، من المرتبة الأولى لأن مصدره شيوخ أصحاء، متفق على عدلهم وضابطيتهم النقلية والعلمية، مع شرط الاتصال، إضافة لصحة متن الحديث بموافقته لمضمون أو نص الكتاب الكريم ..
ويوصف الحديث الصحيح الإسناد بأنه مسندا، ويوصف أيضا، بأنه متصل السند دون انقطاع ..
وأفضل الحديث الصحيح وأقواه ما كان متواترا ..
الحديث المتواتر: هو الحديث الذي يرويه جمع غفير أو جمع يحيل العقل لكثرته، أي غير اعتيادي، بحيث يستحيل تواطئهم على الكذب عن جمع مثلهم في أول السند وأوسطه وآخره ..
والحديث المتواتر قسمان: متواتر لفظي، ومتواتر معنوي ..
· المتواتر اللفظي: هو من جاءت روايته بلفظ واحد قطعي، ومن الأمثلة على هذا النموذج :
عن أبي هريرة، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وابن الزبير، والمغيرة بن شعبة، وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن عوام، وأنس بن مالك، وعمار بن ياسر، وبريدة بن الخصيب الأسلمي، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، والبراء بن عازب، وعقبة بن عامر، وزيد بن أرقم، وأبو موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل، وعمرو بن مرة، ونبيط بن سريط، وعتيبة بن غزوان، والعرس بن عميرة، وصهيب بن سنان الرومي، والسائب بن يزيد، ومعاوية بن أبي سفيان، وطلحة بن عبيد الله، وأبو سعيد الخدري، ويزيد بن خالد العصري، وعابس العبيدي، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وجمع غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )، رواه البخاري في "صحيح" [ج1/ص: 52/ر:110]، وذكره مسلم في مقدمة "صحيحة" [ص: 3]، وأجمع على صحته باقي أئمة الصحيح التسعة، والمحدثين، وخلاصة حكمه: [متواتر] ..
وهذا الحديث رواه كبار الصحابة كالخلفاء الراشدين وباقي العشرة المبشرين بالجنة والعبادلة الأربعة أحبار الأمة، فقد رواه أكثر من سبعين صحابي ..
المتواتر المعنوي: وهو الذي لا يشترط في روايته المطابقة اللفظية، بل يكتفي بمضمون المعنى ووعره، وهو كثير جدا، ومن ذلك أحاديث رفع اليد بالدعاء وقد ذكر العلماء من عداد المتواتر المعنوي حديث:
عن الفاروق الأشهب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه )، رواه البخاري بصحيحة برقم : [6953] و [6689]، ومسلم بصحيحة [1907]، وأبو داود في سننه برقم :[2201]، وصححه له الألباني في " صحيح أبي داود" بذات الرقم، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [4324] ، وفي "صحيح النسائي" [3437]، وفي "صحيح الترمذي" [1647] ، وخلاصة حكمه : [ متفق عليه] ..
مع العلم بأنه تفرد به الفارق الأشهب "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه وأرضاه، لكن الفاروق يوازي أمة بالعدالة والضبط فهو من الطبقة الأولى للرواة، يضاف إلى ذلك أنه ذكره رضي الله عنه وأعني هذا الحديث، أمام حشد غفير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في خطبة وهو خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي مجالس الصحابة قبل وبعد الخلافة ..
لذلك نجد هذا الحديث هو أحادي في أوله، ثم طرأت عليه الشهرة عند جمع غفير من الصحابة ثم التابعين فتواترت روايته، دون أن يختلف على صحته المحدثين ..
والحديث المتواتر إن كان لفظي أو معنوي، فهو يوجب العلم القطعي اليقيني، حتى أن الأحادي الذي أخبر به الواحد التام العدالة والضبط عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يوجب العلم و العمل معا ..
وزياد في التوضيح فالتواتر المعنوي قد يكون بما هو لفظ ثابت ولكن مع توسع في آفاق البيان والدلالة، وقد يروى بألفاظ متعددة مع ثبات وعر المتن ..
مراتب الحديث الصحيح:
تتفاوت رتب الحديث الصحيح بحسب أوصاف العدالة والضبط إلى غير ذلك من الصفات المقتضية للتصحيح فمن كان متصلا سنده وكانت روايته من فئة الدرجة العليا من العدالة والضبط، إلى جانب عدم الشذوذ والعلة القادحة، وسائر صفات القبول، كان أصح مما دونه وأرجح وحيث أن هذه الصفات في كتاب صحيح البخاري أكمل ومنها في صحيح مسلم ولأجل ذلك قدم الجمهور صحيح البخاري على صحيح مسلم ..
هذا وقد صنف علماء الحديث، مراتب الصحيح أو الحديث الصحيح، على الوجه التالي:
أ.المرتبة الأولى: ما تفق على صحته الشيخان البخاري ومسلم، ويقال عنه: [متفق عليه] ..
ب.المرتبة الثانية: ما انفرد به البخاري حيث أنه اقتضى أن يكون راوي الحديث قد ثبت له أنه التقى مع من روى عنه ولو مرة ..
و لا ننسى أن البخاري أجل في العلو وأطول باعا من مسلم وان مسلما تلميذ البخاري، وتخرج على يديه بعلم الحديث ..
ج.المرتبة الثالثة: ما تفرد به مسلم ..
د.المرتبة الرابعة: ما صح عند غير الشيخين في كتب السنن الأربعة وهم الأئمة المعتبرين وهم بترتيب رتب الرواية على الشكل التالي: أقدرهم أبو داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجه، ثم بالدرجة الثالثة باقي الصحاح التسعة، وهم الإمام أحمد ثم الإمام مالك ثم الدارمي، أو بترتيب عكسي عند بعض المحدثين، أو بتوسيط الإمام أحمد على ذات الترتيب، لأن الإمام أحمد بدأ محدثا، ثم انتهى محدثا فقيها، بعد أن تلقى أصول الفقه على تلميذ أبي حنيفة "أبو يوسف"، والإمام الشافي الكبير "محمد بن إدريس" رحمه الله تعالى ..
وهذا التقديم عند أهل الاختصاص في علم الحديث، كان من باب تقديم التخصص الحديثي، متناسين أن نقص التفقه على عمومه وخصوصه يؤدي إلى الغبن بالسند، والتلاعب بالمتن، ويزيد هامش خطأ علماء الحديث المخرجين والمحققين ..
ومثال ذلك ما حدث مع الشيخ المحدث "الألباني" رحمه الله تعالى، الذي عندما ثقلت خبرته وزادت مهارته، واشتد فقهه، تراءى له خطأ تحقيقه فيما حقق، تصحيحا وتضعيفا لأكثر من ستمائة حديث شريف، [انظر في "تراجع العلامة الألباني فيما نص عليه تصحيحا وتضعيفا" بجمع إعداد جزئية من قبل "أبو الحسن الشيخ"]، ومع ذلك كلا الفريقين خير في منظوره وترجيحه لأولوية أئمة الصحيح، فكما يقال: اختلاف الأئمة رحمة بالأمة ..
وهذه المراتب في تصحيح الحديث والعمل بها، كان مبعثها أن الشيخين لم يستوعبا في صحاحهم كل الأحاديث الصحيحة، إلا أنه ولكثرة شهرة صحيحي البخاري ومسلم، توهم الناس أنهما استوعبا جميع الأحاديث الصحيحة ..
بيد أن هناك كتب أخرى في الصحيح، كما أسلفنا، سبقت صحيحي الشيخين بالزمن، أمثال "الموطأ" للإمام دار الهجرة "مالك بن أنس" رضي الله عنه، حيث يقول الإمام الشافعي رحمه الله في موطأ مالك: ( لا أعلم كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك )، وكان قول الإمام الشافعي هذا قبل وجود كتابي الصحيحين للشيخين البخاري ومسلم، الأكثر توثيقا وتدقيقا للصحة ..
ومن الكتب في الأحاديث الصحيحة أيضا، ما يصنف في المرتبة الخامسة، كل من صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم على الصحيحين، وغيرهم ممن تعهد رواية الصحيح بعد كتب الصحيح التسعة ..
ومما يجب الإشارة إليه أنه إذا قيل في حديث أنه غير صحيح، فليس ذلك ملزم قطعا، بأنه موضوع أو كذب باطل، بل قد يكون صدقا، غير أنه لم يصح إسناده على الشروط التي اعتبرها العلماء من شروط الصحة، علما بأن علماء الحديث قد يختلفون في صحة بعض الأحاديث، لاختلافهم في وجوب الأوصاف التي تجعل الحديث في عداد الصحاح، وقد يعدل بعض العلماء عن قولهم بأن الحديث صحيح، إلى قولهم "صحيح الإسناد" قاصدين من ذلك الحكم بصحة السند من غير أن يلزم ذلك صحة المتن، لجواز أن يكون في المتن شذوذ أو علة ..
ولكن إذا اجتمع صحة السند مع صحة المتن قالوا بحكمه: [حديث صحيح] ..
أنواع الحديث الصحيح:
الصحيح نوعان: صحيح لذاته ... صحيح لغيره ..
الصحيح لذاته: فهو الذي يشتمل على أعلى مواصفات أو صفات القبول ..
الصحيح لغيره: فهو مالم يشتمل على أعلى صفات القبول، كأن يكون الضبط فيه غير تام في مجمل رواته أو أحد الرواة أو عدد منهم فيصبح لين الصحة [حسن]، إلا أنه ورد في طريق رواية أخرى أرجح بالضبط والصحة أو تساويه بالصحة والضبط، فيرقى بالتقوية [التعاضد] بالرواية العددية والنوعية إلى درجة الصحيح، إلا طرق التصحيح بتعدد المثلية بقوة الرواية، لم يكن ملزما للمحدثين، كإلزام النوع في درجة الرواية ..
أحكام التصحيح والتحسين والتضعيف:
اختلف علماء الحديث في شأن التصحيح والتحسين والتضعيف ..
يقول الإمام النووي: ( الأظهر عندي جواز التصحيح لمن تمكن وقويت معرفته )، ورد في "التقريب والتيسير" للنووي [ص: 24] ..
وقال الحافظ العراقي: ( وما رجحه النووي، هو الذي عليه عمل أهل الحديث، وقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا، وحيث جاز التصحيح والتحسين والتضعيف، من باب أولى )، ورد في "التقييد والإيضاح" للعراقي [ص: 29] ..
حكم الحديث الصحيح:
أجمع العلماء من أهل الحديث ومن معتمد ويعتد برأيه من الفقهاء والأصوليين، على أن الحديث الصحيح متواتر كان أم غير متواتر ..
حجة يجب العمل به سواء كان آحادي الرواية، أي رواه راوي واحد بسند متصل أو كان له رواية أخرى أو ثلاثة روايات فأكثر وإن لم يتواتر ..
وقد صنف بعض المحدثين الفقهاء مثل أبو داود السجستاني الصحيح المعمول به إلى صحيح وما شابه الصحيح وما قارب الصحيح، وكذلك الأمر عند المحدث الفقيه أبو عيسى الترمذي حيث قسم الحديث الصحيح إلى صحيح وحسن صحيح وحسن إضافة إلى الحسن الغريب والغريب وغيره من المسند الغريب، فإن ذلك يطلق عنده على من كان له راوي واحد في أوله أو في أوسطه أو في آخره أي صحابي واحد وتابعي واحد، إلى منتهاه وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
ثانيا: الحديث الحسن:
الحديث الحسن: هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله بضبط أخف من ضبط راوي الصحيح، وهو سالم من شذوذ أو من علة قادحة ..
فشروط الحديث الحسن كشروط الحديث الصحيح، ولكن الفرق بينهما هو أن الحديث الصحيح يشترط فيه الضبط التام، فإن خف الضبط، فهو الحديث الحسن..
وتوضيحا لذلك قد يتكلم بعض علماء الحديث في راوي من حيث خفة الضبط، ولكن هذا الراوي ثقة معدود من الثقات، وقد اشتهر بالصدق والأمانة بترجيح المحدثين المتحققين، لذا يعتبر حديثة حسنا لأن مكانة الصدق والأمانة لها المرتبة الأولى عند علماء الحديث ..
ومن الأمثلة على ذلك ما رواه الترمذي عن بهر بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي، فقال: قلت يا رسول الله: من أبر؟، قال: ( أمك )، قلت ثم من؟، قال: ( أمك )، قلت ثم من؟، قال: ( أمك )، قلت ثم من؟، قال: ( أباك ثم الأقرب فالأقرب )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 757/ر:5139]، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:5139]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 273/ر:1897]، وقال: هذا حديث حسن، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" [ج1897]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج5/صك 623/ر:19524]، وخلاصة حكمه: [حسن] ..
وتكلم شعبة في بهر بن حكيم بعلته الضابطة ولكنه ثقة، عند علماء الحديث، فهذا الحديث متصل السند من غير شذوذ ولا علة قادحة، ولم يقع بين الرواة أي اختلاف في السند أو المتن، وبهر بن حكيم لدى أهل الحديث ثقة من أهل الصدق والأمانة لكن استشكل العلماء بعض مروياته وهذا لا يسلبه ثقة الضبط لكنه يخفف ضبطه، لذا فهذا الحديث حسن لذاته ..
أ.أنواع الحديث الحسن: الحديث الحسن نوعان: حسن لذاته ... وحسن لغيره ..
الحديث الحسن لذاته: هو ما اشتهر رواته بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكون راويه يقصر عنده الحفظ من ناحية الإتقان أي أن هذا الراوي اشتهر بالعدالة لكنهم لم يشتهر بتمام الضبط كما هو الحال عند راوي الصحيح، مع اتصال السند دون شذوذ أو علة قادحة ..
ب.بالحديث الحسن لغيره: وهو ما كان فيه ضعف في حفظ راويه الصدوق الأمين ولكن بشكل خفيف، أو كان إسناده مستور عن الظاهر، خفي الباطن، وقيل من لم ينقل فيه جرح ولا تعديل فما هو منهم بكذب ولا فسق، يكون متن الحديث الذي رواه قد اعتضد بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر غير الوجه الوارد فيه، فالأصل في الحديث الحسن لغيره أنه طرأ عليه تحسين بمجيئه من وجه آخر لسند رجاله أكثر وثوقا..
حكم الحديث الحسن: الحديث الحسن بنوعيه يشابه الصحيح في الاحتجاج والعمل به فهو مقبول عند جميع الفقهاء والأصوليين، فهو مقبول ولو كان دون الصحيح في القوة لأنه وفق رأي المحدث الفقيه أبو داود السجستاني، في مصاب الصحيح ..
قاعدة في فقه الحديث: قد يكون الحديث صحيح الإسناد أو حسنا لثقة رجاله، ومع ذلك لا يكون هذا الحديث لا حسنا ولا صحيحا لشذوذ في متنه أو علة قادحة به، وقد يقول المحدثين، حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد غير أن قولهم هذا لا يستلزم صحة المتن أو تحسينه، فكل ما صح سندا صح متنا ..
لأن صحة الدلالة والمعنى لا تتعارض مع صحة السند فإن تعارضت فيعمل به على أساس معنى المضمون وليس باللفظ بعينه، وذلك إن صحت دلالته أصولا، وهو ما يفسر سبب تداول الفقهاء الأربعة والفقهاء الأصوليين أمثال الإمام الغزالي لكم كبير من الأحاديث الضعيفة في مذاهبهم ومؤلفاتهم ومدوناتهم ومصنفاتهم، معتمدين على صحة المتن، الموافق لما ثبت بشكل قاطع في القرآن والسنة ..
أما إن قيل هذه حديث صحيح أو حسن دون علة أو قيد في صحة المتن والسند، عندها يصبح الحديث صحيح سندا ومتنا، فنقول: حديث صحيح أو حسن، وفق درجة ضبطه ..
وإن كان الحديث ذا أسانيد متعددة، أي روي بإسنادين أو أكثر، فإطلاق الصحة والتحسين عليه مشروط بالسند كأن نقول: صحيح مسند، أو نقول إسناده صحيح، فإن روي الحديث بروايتين أو أكثر إحداها أو عدد منهم صحيح والقسم الباقي حسن، يقال في حكمه: حسن صحيح، وهذا التصنيف اشتهر به أبو عيسى الترمذي ..
ومن الأمثلة على ذلك ما رواه محمد بن عمرو [صدوق له أوهام]، عن أبي سلمة [ثقة إمام مكثر]، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )، رواه الترمذي في "سننه" [ج1/ص: 34/ر:22]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:22]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج2/ص: 558/ر:7794]، وصححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج2/ص: 203]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:7506]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:5315]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
فمحمد بن عمرو اشتهر بالصدق والأمانة، لكنه كضبط لم يكن من أهل الإتقان، لضعف في حفظه ووثقه بعضهم أمثال النسائي، لصدقه وجلالته ..
فحديثه من هذه الجهة حسن فلما كانت إلى روايته روايات من أوجه أخرى صحيحة، فجبر أو عوض هذا النقص بالإتقان وصح إسناده فالتحق بدرجة الصحيح ..
ثالثا: الحديث الضعيف :
يطلق اصطلاح "الحديث الضعيف" على كل حديث شريف فقد شرطا من شروط الحديث الصحيح أو الحسن وهي كما ذكرنا من قبل هي شروط ستة:
1.اتصال السند ..
2.العدالة ..
3.الضبط ..
4.عدم الشذوذ ..
5.الخلو من العلة القادحة ..
6.العاضد عند الاحتجاج ..
والحديث الضعيف الخفيف الضعف دون تقوية، معمول به على حاله، عند جمع من علماء الحديث ولكن بشكل مقيد أي في مجال الفضائل والترغيب والترهيب، والزهد والرقائق، كما يخبر بذلك الإمام النووي، حيث يقول: ( قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً؛ وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك )، ورد في "الأذكار" للنووي [ص: 36] ..
وللإمام النووي قول قريب أيضا يصب بذات المقصد في كتابه "شرح مسلم" [ج/ص: 125]، وفي كتابه "التقريب" [ج1/ص: 512] ..
ولم يعارض العمل بالحديث الضعيف وعدم قبوله مطلقا سوى الإمام مسلم بن الحجاج وحتى الإمام البخاري شيخ مسلم وشيخ المحدثين أدرج كم كبير من الأحاديث الضعيفة في كتابه "الأدب المفرد"، وحتى الإمام أحمد بن حنبل رغم تشدده قال: ( الحديث عن الضعفاء قد يُحتاج إليه في وقت )، ورد في "شرح العلل" لابن رجب [ج1/ص: 385] ..
وكان يقصد رحمه الله من باب الاستشهاد به، أي الاستشهاد التشريعي إذا دعت الضرورة؟!!، وبناء عليه نجد أن الأئمة الأربعة استشهدوا في مذاهبهم بمئات الأحاديث الضعيفة؟!!..
يقول السخاوي بذلك: ( لكنه [ابن حنبل]احتج رحمه الله بالضعيف حين لم يكن في الباب غيره، وتبعه أبو داود، وقدماه على الرأي والقياس. ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك. وإن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيره)، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج1/ص: 287] ..
والحديث الضعيف يصبح مقبول العمل به ويحتج به إذا قوي أو حسن بذاته أولغيره، ومن خلال شروط تقويته منها: التقوية بالمتابعة، والمقارنة، والشهرة، والمطابقة [ مطابقة الواقع]، والتعاضد [تحسينه بطرق الرواية]، والتوثيق التاريخي .... إلى غير ذلك من طرق التحسين والتقوية التي سوف تناولها في نهاية بحث الحديث الضعيف بشيء من التفصيل ..
يقول الإمام النووي: (الحديثُ الضعيف عندَ تعددِ الطرق [التعاضد] يرتقي عن الضعفِ إلى الحسن،ويصير مقبولاً معمولاً به )، ورد في "قواعد التحديث" للقاسمي [ص: 69] ..
وتقوية التضعيف يشترط بها أن لا يكون من فئة الشديد الضعف عندها: لا يُقوّى ولا يُقوّي ..
الضعف بالانقطاع: وهو الضعف بعدم اتصال السند ..
أوجه انقطاع السند:
إن انقطاع السند إنما يكون على وجهين:
أ.أما موضع الانقطاع فيشمل الحديث المرسل والمنقطع والمعلق والمعضل والمرسل الخفي، بحيث يكون وقوع الانقطاع إما في آخره إذا رواه تابعي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يذكر الصحابي الذي سمعه وتحمله[أي الذي حمل رواته من منتهاه صلى الله عليه وآله وسلم]، والمنقطع ما سقط من رواته واحد قبل الصحابي، والمعضل ما أوقع الانقطاع فيه اثنان من مبدئه أو أكثر كحذف جميع رواته؟! ..
ب.أما طبيعة الانقطاع فقد يكون الانقطاع ظاهر أو قد يكون الانقطاع خفيا، فالانقطاع الظاهر يكون بعدم المعاصرة، أو التلاقي بين الراوي ومن روى عنه كالحديث المرسل والمعضل والمعلق، وغيره، والانقطاع الخفي كأن يورد الراوي حديث بصيغة توهم التلاقي والسمع ممن عاصره، لكنه لم يلتقي به، وذلك كالحديث المدلس، أو يورد الحديث بمجرد الرواية عمن عاصره، ولم يعرف أنه التقى به، وذلك كالمرسل الخفي ..
ونترك الآن اقتضاب البيان في أنواع الانقطاع لشيء من الشرح والتمثيل:
أ.الحديث المنقطع: وهو كل حديث لم يتصل إسناده أو سقط من إسناده رجل من رواته في بدايته بعد الصحابي الراوي ..
ومن الأمثلة على الحديث المنقطع ما رواه أبو داود حول القنوت في رمضان:
حدثنا شجاع بن مخلد، حدثنا هشيم، حدثنا يونس عن عبيد، عن الحسن البصري، ( أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة ولا يقنت بهم، إلا بالنصف الباقي )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 454/ر:1429]، والبيهقي في "سننه الكبرى" [ج4/ص: 64/ر:4735]، وخلاصة حكمه: [حسن لغيره]..
قال الإمام النووي في حكم هذا الأثر الراشدي في "المجموع" [ج1/ص: 18]: مقطوع ..
وقَالَ أَبُو دَاوُد عقب روايته: ( وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُنُوتِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ أُبَيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ )، ورد في "سنن أبو داود" [ج1/ص: 454]؛اهـ
قلت: والحسن البصري رضي الله عنه، لم يدرك عمر بن الخطاب و لا أُبي بن كعب رضي الله عنهما. لكن يشهد له أنه تام عدل، لكن هذا الأثر مقطوع السند، ويحسن لغيره من السند المتصل عن غيره ..
إذا فهذا الحديث منقطع الإسناد ذلك لأن الحسن البصري رحمه الله تعالى، ولد سنة إحدى وعشرين من الهجرة، وتوفي الفاروق رضي الله عنه، سنة ثلاث وعشرين، فأنى يمكن للحسن البصري أن يسمع عن عمر رضي الله عنه، ويكون عنده من الوعي والاستيعاب ما يجعله يروي هذه الرواية وقد بلغ من العمر سنتين ..
حكم الحديث المنقطع: حكم الحديث المنقطع عدم الاحتجاج به للجهل بحالة ورتبة المحذوف من حيث العدالة والضبط، إلا أن العلماء قالوا أن الحديث إذا جاء من طريق آخر موصول السند وتبين أن الراوي الذي كان محذوفا ثقة، فالحديث حجة ومقبول ..
والانقطاع إن كان من بعد الصحابي الراوي أي حذف التابعي، يسمى موقوفا على الصحابي الراوي، لا مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
ب.الحديث المرسل: الإرسال لغة: يعرف بالبعث وبالإطلاق، نقول فلان أرسل الطير أي أطلاقه وتركه دون قيد، والحديث المرسل هو الذي رواه تابعي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مباشرة دون تقيده بذكر الصحابي الذي حمله ورواه منه صلى الله عليه وآله وسلم ..
كما لو قال التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كذا أو فعل كذا ..
ومن الأمثلة على الحديث المرسل ما رواه الشافعي رضي الله عنه:
أخبرنا سعيد عن ابن جريج، أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يظهر التلبية، لبيك اللهم لبيك )، رواه البيهقي في "سننه الكبرى" [ج7/ص: 98/ر:9116]، والإمام الشافعي في "مسنده" [ج1/ص: 122/ر:572]، وقال النووي في "المجموع" [ج7/ص: 243]: مرسل، رواه الشافعي، والبيهقي بإسناد صحيح ..
وصرح بإرساله كل من: ابن الملقن في "البدر المنير" [ج6/ص: 163]، والبيهقي في "سننه الكبرى" [ج7/ص: 48]، وابن حجر في "الفتوحات الربانية" [ج4/ص: 362]، وغيرهم ..
فهذا حديث مرسل لأن مجاهد تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يذكر الصحابي الذي كان الواسطة، بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه صحح لأن مجاهد من كبار التابعين وكان تام عدل، وفقيه يعتد بصدق قوله ..
حكم الحديث المرسل: الحديث المرسل مقبول يحتج به إذا ورد على رجل من كبار التابعين شيخ بالصحة تام العدالة والضبط، لشروط اعتبارية في الحديث المرسل والراوي للحديث، والاعتبار في الحديث المرسل هو:
1.أن يروى مرسلا بمعناه عن راوي آخر، أي لا يجوز أن يحمل على لفظه الصريح مرفوعا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع وجود هذا الانقطاع ..
2.أن يوافق قوله لقول أحد كبار الصحابة على رأسهم الخلفاء الراشدين وباقي المبشرين بالجنة، أو العبادلة الأربعة ..
3.أن يكون قد قال به أكثر أهل العلم وبمقدمتهم فقهاء المدينة السبعة، وأئمة المذاهب وكبار الأعلام المحدثين والأصوليين والمفسرين ..
والاعتبار في الراوي المرسل أن يكون ثقة وحينئذ يكون الحديث حجة ويحتج به ..
يقول السخاوي : ( واعلم أن المرسَل حجة عند أبي حنيفة، ومالك ومن وافقهما [وكذا الإمام أحمد في المشهور عنه] )، ورد في "التوضيح الأبهر" للسخاوي [ج1/ص: 42] ..
يقول أبو داود السجستاني في رسالته لأهل مكة: ( وأما المرسل فقد كان يحتج به العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج1/ص: 133] ..
ويقول ابن جرير: ( أجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل، ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين )،ورد في "توجيه النظر" للجزائري [ص: 245] ..
وكان الإمام الشافعي يأخذ بمراسيل كبار التابعين أمثال "سعيد بن المسيب" ونخبة من فقهاء الحجاز كالزهري، والأوزاعي، ويرد مراسيل صغار التابعين . انظر في "جامع الأصول" لابن الأثير [ج1/ص: 94] ..
وسبب رد الإمام الشافعي لمراسيل صغار التابعين: كونهم أشد تجوزا ممن يروون عنهم, وضعف مخرج ما أرسلوه, وكثرة الإحالة، انظر في "طبقات الشافعية" لابن السبكي [ج21/ص: 10] ..
يقول الإمام النووي: ( ومذهب الشافعي: إذا انضم إلى المرسل ما يعضده [يقويه]، احتج به وبان بذلك صحته, وذلك بأن يروي مسندا أو مرسلا من جهة أخرى, أو يعمل به بعض الصحابة رضوان الله عليهم أو أكثر العلماء, سواء عنده في هذا مرسل سعيد بن المسيب وغيره )، ورد في "شرح البخاري" للنووي [ص: 11] ..
وكان الإمام الشافعي يقول في مرسل ابن المسيب، وهو أحد الفقهاء السبعة: أفضل المراسيل ..
وبذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ( إن ما ذكرناه من حكم المرسل من الحديث فهو مرسل التابعي، أما مرسل الصحابي فله حكم آخر ) ..
مراسيل الصحابة: مراسيل الصحابة هي الأحاديث التي يرونها الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتيسر للصحابي الذي روى الحديث أن يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بذاته، بل سمعه عن صحابي آخر وهي الحالة الأغلب، فثبوت شرف الصحبة كافي لتعديل الصحابي وفي ذلك قال الصحابي الجليل " البراء بن عازب" رضي الله عنه: ( ليس كلنا سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لها ضيعة وأشغال، ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ، فيحدث الشاهد منا الغائب )، رواه الحاكم النيسابوري في "المستدرك" [ج1/ص: 216/ر:438]، وقال في حكمه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين؛ اهـ
حكم مراسيل الصحابة: مراسيل الصحابة حجة ويحتج بها أكثر العلماء وقد عدها علماء الحديث في حكم الحديث الموصول السند، لأن روايتها عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم والصحابة أفاضل أهل السبق من سلف خير القرون الخيرة الأولى، وكلهم عدول ثقات مع التمام ..
والمشهور في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، قبول مراسيل الصحابة ..
يقول الحافظ السخاوي: ( قد صَرّح ابن بُرْهان في "الوجيز" : أن مذهبه [مذهب الشافعي] أن المَراسيل لا يجوز الاحتجاج بها إلا مَراسيل الصحابة ومَراسيل سعيد [ابن المسيب]، وما انعقد الاجتماع على العَمَل به )، ورد في "فتح المغيث" [ج1/ص: 147]، وفي "توجيه النظر" للجزائري [ص: 246] ..
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "هدي الساري" [ص: 350]: (وقد اتفق المحدثون على أن مرسل الصحابيفي حكم الموصول )، وقال في نفس المصدر [ص:378]: ( وقد اتفق الأئمة قاطبة على قبول ذلك، إلا من شذ ممن تأخر عصره عنهم، فلا يعتد بمخالفته )، ورد في "التوضيح الأبهر" للسخاوي [ج1/ص: 40] ..
ومن الأمثلة على مراسيل الصحابة من الأحاديث ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: ( ابتعت زيتا في السوق فلما استوجبتنه لقيني رجل فأعطاني فيه ربحا حسنا فأردت أن أضربه على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحالك، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نهى أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 304/ر:3499]، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3499]: حسن لغيره، ورواه الدارقطني في "سننه" [ج3/ص: 13/ر:36]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج2/ص: 46/ر:2271]، وصححه ابن حبان في "بلوغ المرام" [232]، وخلاصة حكمه: [حسن] ..
ج.الحديث المعضل : والمعضل لغة: المنع والشدة، والمعضل هو المستغلق، يقال أعضله الأمر أي أعياه، واستغلق عليه استغلاقا شديدا ..
وأعضله الأمر أي ضاقت به الحيل، وفي اصطلاح علماء الحديث : "هو الحديث الذي سقط من إسناده روايان أو أكثر على التوالي، من أي موضع كان تقدما وتوسطا وتأخرا"، أي في بداية الرواية أو أوسطها أو آخرها، ومثال ما يرويه تابعي التابعي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم دون الصحابي والتابعي قبله ..
ومثال ذلك قول الإمام مالك رضي الله عنه في "الموطأ" : بلغني عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيقه )، رواه مالك في "الموطأ" [ج2/ص: 980/ر:882]، وقال الحاكم النيسابوري : ( معضل لأنه قد وصل خارج الموطأ )، ورد في "معرفة علوم الحديث" للحاكم [ص: 81] ..
وقد روى الإمام مالك في غير الموطأ عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه ..
وقد رواه بهذا السند المتصل كل من : الإمام مسلم في "صحيحة" [ج11/ص: 136/ر:4292]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج3/ص: 14/ر:8305]، ورواه البخاري في "الأدب المفرد" [ج1/ص: 71/ر:192]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج10/ص: 152/ر:4313]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:7350]، وصححه له الألباني في "صحيح الجامع" [ر:5191]،والمنذري في "الترغيب" [ج3/ص: 221]، وصححه له الألباني في "صحيح الترغيب" [ر:2284]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
ولم يكن هذا في الموطأ فلم يذكر ابن عجلان أولا، ولا أبيه ثانيا، بل انتقل إلى أبي هريرة مباشرة ..
ومن الأمثلة أيضا للإمام مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( استقيموا ولن تحصوا، وأعملوا وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )، رواه مالك في "الموطأ" [ج1/ص: 34/ر:66]، وخلاصة حكمه: [معضل] ..
فهنا بين مالك وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رجلان: التابعي والصحابي ..
وقد روي هذا المتن بسند متصل، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل من : ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 147/ر:277]، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:226]، والدارمي في "سننه" [ج1/ص: 177/ر:660]، والإمام أحمد في "مسنده" [ج6/ص: 372/ر:21873]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج1/صك 221/ر:449]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:994]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
ومن أمثلة مالك أيضا، في المعضل، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ( أخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حين وضعت رجلي الغرز أنه قال: " أحسن خلقك يا معاذ بن جبل" )، رواه الإمام مالك في "الموطأ" [ج2/ص: 902/ر:717]، وقال فيه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" [ج3/ص: 69]: منقطع ورجاله ثقات ، ورواه البيهقيفي "الشعب"[ج6/ص: 245/ر:8029]،وخلاصةحكمه: [معضل] ..
فبين مالك ومعاذ أكثر من راويين ..
وقيل في "الموطأ" : هذا آخر الأحاديث الأربعة التي قالوا: ( إنها لم توجد موصولة في غير الموطأ وذلك لا يضر مالكاً الذي قال فيه سفيان بن عيينة: كان مالك لا يبلغ من الحديث لا ما كان صحيحاً. وإذا قال: بلغني فهو إسناد صحيح.
فقصور المتأخرين عن وجود الأربعة، موصولة، لا يقدح فيها. فلعلها وصلت في الكتب التي لم تصل إليهم )، ورد في "الموطأ" لمالك [ج2/ص: 902] ..
حكم الحديث المعضل: الحديث المعضل أضعف من المنقطع ومن المرسل، لأن المنقطع سقط من سنده راوي واحد، وكذلك المرسل، أما المعضل فقد سقط من إسناده راويان فأكثر، فلا تقوم به حجة لأن من شروط القبول والصحة عدالة الراوي وضبطه ..
إلا أنه إذا جاء المعضل والمنقطع والمرسل من طرق أخرى موصولة وتبين ثقة الراوي المحذوف صار مقبولا يعمل به ..
د.الحديث المعلق: المعلق من الأشياء أي ما كان مقطوعا عن الأرض موصولا بأعلى كالسقف وغيره، وبناء على ذلك:
فالحديث المعلق: هو ما حذف من مبتدأ إسناده الراوي الأول أو الأوائل من الرواة على التوالي ولو إلى نهاية السند، فيعزى الحديث [أي ترجع روايته] إلى ما فوق المحذوف، من الرواة، ويكون التعليق على ثلاثة أوجه:
1.الوجه الأول: أن يحذف من أول السند راوي واحد ..
2.الوجه الثاني: أن يحذف من أول السند جميع الرواة ما عدا الصحابي ..
3.الوجه الثالث : أن يحذف من السند جميع الرواة؟؟!! ..
ومن الأمثلة على المعلق الذي حذف من أول سنده راوي واحد فقط، قول البخاري (x)، وقال مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: ( لا تفضلوا بين الأنبياء ... )، ]، رواه الشيخان في الصحيح، البخاري برقم: [3415]، ومسلم برقم: [2373]، وقال البيهقي عن حكمه في "حياء الأنبياء" [ص: 48]: ثابت..
وقال الحافظ الطحاوي في مصنفه: ( وعلى هذ
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن نكمل مصطلحات الحديث سوف نتكلم قليلا عن المحدثين وشروط مراتبهم ..
مراتب وألقاب العلماء المحدثين:
يطلق لقب "المحدث" على الراوي المكثر من الرواية والاعتناء بالمرويات ..
وقال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس في بيان لقب رتبة أو صفة المحدث : ( وأما المحدث في عصرنا فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه خطه، واشتهر فيه ضبطه)؛اهـ
ثم يتابع الشيخ فتح الدين في نفس المرجع، ليبين مرتبة أعلى من مرتبة المحدث في علم الحديث، وهو لقب "الحافظ" حيث يقول بهذا: ( فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة، بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله منها، فهذا هو "الحافظ"، وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من قولهم 'كنا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب عشرين ألف حديث في الإملاء' فذلك بحسب أزمنتهم ) ؛ انتهى ›› اهـ . ورد في "تدريب الراوي" للسيوطي [ج1/ص: 48] ..
وسئل الشيخ فتح الدين في موضع آخر عن حد المحدث والحافظ فأجاب: (المحدث في عصرنا هو من اشتغل بالحديث رواية ودراية وكتابةً، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتبصر بذلك حتى حفظه واشتهر فيه ضبطه )؛اهـ. ثم تابع بعد ذلك ليجيب على مرتب الحافظ: ( فإن انبسط في ذلك وعرف أحوال من تقدم شيوخه وشيوخ شيوخهم طبقة طبقة بحيث تكون السلامة من الوهم في المشهورين غالبة ويكون ما يعلمه من أحوال الرواة كل طبقة أكثر مما يجهله فهذا حافظ ؛ وأما ما نقل عن المتقدمين في ذلك من سعة الحفظ فيمن يسمى حافظاً والدأب في الطلب الذي لا يستحق الطالب أن يطلق عليه محدث إلا به ، كما قال بعضهم : 'كنا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء'، فذلك بحسب أزمنتهم )، ورد في "النكت" للزركشي [ج1/ص: 53] ..
ومن أمثلة من حاز على مرتبة ولقب "الحافظ "، الحافظ ابن حجر العسقلاني، والحافظ الذهبي، والحافظ السخاوي، والحافظ ابن خزيمة وغيرهم من الحفاظ ..
وللحافظ ابن حجر العسقلاني، رأي مهم برتبة "الحافظ" بالحديث حيث يقول: (: للحافظ في عُرف الْمُحَدِّثين شُروط إذا اجتمعت في الراوي سَمّوه حَافِظًا :
1- وهو الشهرة بالطلب والأخذ من أفواه الرجال لا مِن الصُّحف .
2- والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم ..
3- والمعرفة بالتجريح والتعديل، وتمييز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره مع استحضار الكثير من المتون ..
فهذه الشروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظا )؛ انتهى ›› اهـ . ورد في "النكت" لابن حجر [ص: 5] ..
وقيل الحافظ من برع في التصحيح والتضعيف، والتخريج والاستخراج ..
ومن مراتب المحدثين العليا مرتبة "الإمام" وهو شيخ الحديث قال المناوي في "اليواقيت والدرر": (الإمام : من يُؤتم، أي : يُقْتَدَى به )؛ وقال الملا علي القاري في "نزهة النظر": (الإمام أي المقتدى به )؛اهـ
وأئمة الحديث هم الشيخان، الإمام البخاري، و تلميذه الإمام مسلم ..
ومن أعلى مراتب المحدثين أيضا مرتبة "الحاكم" ..
يقول حسن المشاط: ( الحاكم: من أحاط علمه بكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم )، ورد في "رفع الأستار" للمشاط [ص: 9] ..
وقال ملا علي القاري: ( الحاكم وهو الذي أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متناً وإسنادا وجرحاً وتعديلاً وتاريخاً، كذا قاله جماعة من المحققين )؛اهـ . ورد في "نزهة النظر" للقاري [ص: 5] ..
ومن أمثال الحاكم،الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، حيث قيل أن ابن حنبل يحفظ ستمائة ألف حديث وقيل ألف؛ ألف حديث رواية ودراية، وتحقيقا ..
يقول أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى : ( كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف؛ ألف حديث )، ورد في "تهذيب التهذيب" لابن حجر [ج1/ص: 74] ..
فقهاء الحديث:
وقال الجرجاني : الفقه هو في اللغة : عبارة عن فَهم غَرض المتكلِّم مِن كلامه ..
وفي الاصطلاح : هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب مِن أدلتها التفصيلية . وقيل : هو الإصابة والوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلق به الْحُكْم ، وهو عِلم مُستنبط بالرأي والاجتهاد ، ويحتاج فيه إلى النظر والتأمل ..
وقال المرداوي : والفقيه مَن عَرَف جُملة غالبة كذلك بالاستدلال . يعني : الفقيه في اصطلاح أهل الشرع ..
وقال : وقيل : الفقيه : مَن له أهليّة تامّة يَعرِف الْحُكْم بها إذا شاء مع معرفة جُمَلاً كثيرة من الأحكام الفرعية ، وحضورها عنده بأدلتها الخاصة والعامة ..
والفقيه أيضا من فقه الشيء أي أدرك أغواره، أو سره، بأن فهمه فهما سديدا ..
الفرق بين المحدث والفقيه في علم الحديث: نجد أن المحدث يعتني بالجانب التقعيدي والتوثيقي للنقل، بإثبات أن الحديث مرفوع لمنتهاه، أما الفقيه فهو الذي يعتني بالجانب التطبيقي والتصديقي لصحة متن الحديث باللفظ والمعنى، وفق ميزانه الأصولي الثابت في القرآن والسنة المتواترة التي أجمع عليها علماء الأمة تحقيقا وسندا ..
والفقهاء هم أصحاب القرار في قبول الحديث والاحتجاج به، أو رده وهجره وحتى نسخه ..
وقاعدتهم بذلك: ( كل ما نافى الأصول، وخالف المعقول فهو رد )..
يقول ابن الجوزي في موضوعاته: ( كل حديث رأيته يخالفالمعقول، أو يناقض الأصول، فأعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره )، ورد في "الموضوعات الكبرى" لابن الجوزي [ج1/ص: 106] ..
وفقهاء الحديث يصنفون لثلاثة أصناف منهم ما يسمى "الفقيه المجتهد"، أمثال الإمام الشافعي، وشيخه وكيع بن الجراح، والإمام مالك إمام دار الهجرة ..
ومنهم من يسمى "الفقيه المحدث"، أمثال الإمام أحمد بن حنبل، والإمام النووي ..
وأخيرا "المحدث الفقيه" وهم أصحاب الكتب الستة، وأهمهم شيخي الصحيح، البخاري ومسلم، وأئمة السنن وعلى رأسهم أبو داود السجستاني، وأبو عيسى الترمذي ثم أبو عبد الرحمن النسائي..
ملخص تراجم بعض الفقهاء المجتهدين:
الإمام الشافعي:
هو محمد بن إدريس بن العباس، أبو عبد الله القرشي، الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة، (ت:204). قال أحمد: إن الله تعالى يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت رجلا قط أكمل من الشافعي. وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثا خطأ. وقال الذهبي: كان حافظا للحديث بصيرا بعلله لا يقبل منه إلا ما ثبت عنده..
وكيع بن الجراح:
هو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، الإمام، الحافظ، الثبت، محدِّث العراق، أحد الأئمة الأعلام، (ت:197). قال ابن عمار: ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث منه. قال أحمد بن حنبل: ما رأت عيني مثل وكيع قطُّ يحفظ الحديث، ويذاكر بالفقه فيحسن، مع ورع واجتهاد، ولا يتكلم في أحد.. وقال ابن المدينى: كان وكيع يلحن، ولو حدث بألفاظه لكان عجبا. وقال المروزى: كان يحدث بآخره من حفظه فيغير ألفاظ الحديث، كأنه كان يحدث بالمعنى، و لم يكن من أهل اللسان ..
الإمام مالك:
هو مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي المدني إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأعلام، أبو عبدالله، وأحد الأئمة الأربعة. أجمعت طوائف العلماء على إمامته، والإذعان له في الحفظ والتثبيت، (ت:179). قال يحيى بن سعيد: ما في القوم أصح حديثا من مالك. وقال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم. قال ابن حبان: كان مالك أول من انتقى الرجال من الفقهاء بالمدينة، و أعرض عمن ليس بثقة فى الحديث، و لم يكن يروى إلا ما صح، ولا يحدث إلا عن ثقة. وقال يحيى بن معين: كل من روى عنه مالك بن أنس فهو ثقة إلا عبد الكريم البصري أبو أمية ..
ملخص تراجم بعض الفقهاء المحدثين:
الإمام أحمد:
هو أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله، إمام الأئمة, وعالم الأمة، (ت:241) . قال الشافعي: خرجت من بغداد فما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه. وقال أبو عبيد القاسم: انتهى علم الحديث إلى أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبي بكر بن أبي شيبة وكان أحمد أفقههم فيه. وقال الذهبي: والمعتدلُ (أي في الجرح) فيهم: أحمد بن حنبل. وقال الإمام أحمد: إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد ..
الإمام النووي:
هو يحيى بن شرف بن مُرِّي، محيي الدين أبو زكريا النووي الشافعي، الإمام الحافظ (ت:676). قال ابن العطار: كان ... حافظا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عارفا بأنواعه من صحيحة وسقيمة وغريب ألفاظه واستنباط فقهه. قال النووي في أحاديث الترغيب والترهيب، وفضائل الأعمال ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الأحكام: وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه..
ملخص تراجم بعض المحدثين الفقهاء:
الإمام البخاري:
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، أبو عبد الله الجعفي, البخاري، الإمام المحدث العلم, إمام أهل الحديث في زمانه, (ت: 256) . وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري. وقال الترمذي: لم أرى أحدا بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل. وقال ابن حجر: جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث. وقال أيضاً: والبخاري في كلامه على الرجال توقٍّ زائد وتحرٍّ بليغ. قال الذهبي: والمعتدلُ (أي في الجرح) فيهم: أحمد بن حنبل، والبخاري، وأبو زُرْعَة ..
أبو داود:
هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق، أبو داود السجستاني، الإمام الثبت سيد الحفاظ صاحب السنن,أحد الكتب الستة، (ت: 275). قال الحاكم أبو عبدالله: أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة. وقال أحمد بن محمد بن ياسين الهروي: كان أحد حفّاظ الإسلام لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وعلله، وسنده، في أعلى درجة النُّسك والعفاف والصَّلاح والورع. من فرسان الحديث. وقال الذهبي: كان رأسا في الحديث، رأسا في الفقه.
الترمذي:
هو محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، الحافظ، العلم، الإمام، البارع، مصنف الجامع، أحد الكتب الستة, وكتاب " العلل "، وغير ذلك، (ت:279). قال ابن حبان: كان أبو عيسى ممن جمع، وصنف، وحفظ، وذاكر. وقال المزي: أحد الأئمة الحفاظ المبرزين، ومن نفع الله به المسلمين. وقال الخليلي: الحافظ متفق عليه... وهو مشهور بالأمانة والإمامة والعلم. وقال الذهبي: يترخص في قبول الأحاديث، ولا يُشدد، ونفَسه في التضعيف رخو. وقال أيضاً: فلا يُغتَر بتحسين الترمذي. فعند المحاقَقَةِ غالبُها ضعاف. وقال ابنُ دِحْيَة: «وكم حَسَّن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة وأسانيد واهية!
النسائي:
هو أحمد بن شعيب بن علي، أبو عبدالرحمن النسائي، صاحب السنن أحد الكتب الستة، الإمام الحافظ الثبت، ناقد الحديث، (ت:303) . قال الدارقطني: كان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعلمهم بالحديث والرجال. وقال سعد بن علي الزنجاني: إن لأبي عبدالرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم. وقال الذهبي: كان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرجال،... ولم يبق له نظير في هذا الشأن. وقال: لا يوثق أحداً إلا بعد الجهد. وقال أيضا: حسبك بالنسائي وتعنته في النقد.
------------------
نعود الآن لبحث الحديث الصحيح، وقبل أن نخوض بأقسامه ومراتبه وأنواعه، نأتي بمثال للحديث الصحيح التام الثابت بإجماع الأمة سندا ومتنا ..
ومثال ذلك ما رواه الشيخان البخاري ومسلم عن شيخهما قتيبة بن سعيد الثقفي، حيث قالا:
حدثنا قتيبة بن سعيد، عن جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: (أمك)، قال: ثم من؟، قال: (أمك)، قال: ثم من؟، قال: (أمك)، قال: ثم من؟، قال: (أبوك)، رواه الشيخان، البخاري في "صحيحة" [ج5/ص: 2227/ر:5626]، ومسلم في "صحيحة" [ج16/ص: 318/ر:6447]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..
وقد تفرد بتخريجه الشيخين البخاري ومسلم لأنهما أخذاه من شيخيهما قتيبة بن سعيد، وهو أعني قتيبة بإجماع علماء الرجال، والجرح والتعديل، ثقة ثابت، أو عدل تام ضابط، وقال فيه ابن حبان في "الثقات" [ج9/ص: 20]عنه: ( من المتقنين في الحديث، ومن المتبحرين في السنن )؛اهـ
وشيخ شيخين الحديث أخذ روايته عن جرير وهو متفق على ثقته كما قال أبو يعلى، أي أنه عدل ضابط أيضا، وجرير أخذ عن عمارة وهو عدل ضابط، وعمارة أخذ عن أبي زرعة وهو تابعي عدل ضابط، وهو من أخذ عن الصحابي الجليل أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه وأرضاه ..
وأبو هريرة بدوره سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..
من خلال ما ذكرناه تبين لنا معنى اتصال السند، إضافة إلى أن جميع الرواة لهذا الحديث ثقات أصحاء من حيث العدل والضبط اشتهروا بذلك بإجماع العلماء ..
أما متن الحديث أو لفظه، فهو موافق لما ورد في كتاب الله، في قوله تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )[الإسراء : 23] ..
فالحديث المذكور أعلاه صحيح بذاته، من المرتبة الأولى لأن مصدره شيوخ أصحاء، متفق على عدلهم وضابطيتهم النقلية والعلمية، مع شرط الاتصال، إضافة لصحة متن الحديث بموافقته لمضمون أو نص الكتاب الكريم ..
ويوصف الحديث الصحيح الإسناد بأنه مسندا، ويوصف أيضا، بأنه متصل السند دون انقطاع ..
وأفضل الحديث الصحيح وأقواه ما كان متواترا ..
الحديث المتواتر: هو الحديث الذي يرويه جمع غفير أو جمع يحيل العقل لكثرته، أي غير اعتيادي، بحيث يستحيل تواطئهم على الكذب عن جمع مثلهم في أول السند وأوسطه وآخره ..
والحديث المتواتر قسمان: متواتر لفظي، ومتواتر معنوي ..
· المتواتر اللفظي: هو من جاءت روايته بلفظ واحد قطعي، ومن الأمثلة على هذا النموذج :
عن أبي هريرة، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وابن الزبير، والمغيرة بن شعبة، وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن عوام، وأنس بن مالك، وعمار بن ياسر، وبريدة بن الخصيب الأسلمي، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، والبراء بن عازب، وعقبة بن عامر، وزيد بن أرقم، وأبو موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل، وعمرو بن مرة، ونبيط بن سريط، وعتيبة بن غزوان، والعرس بن عميرة، وصهيب بن سنان الرومي، والسائب بن يزيد، ومعاوية بن أبي سفيان، وطلحة بن عبيد الله، وأبو سعيد الخدري، ويزيد بن خالد العصري، وعابس العبيدي، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وجمع غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )، رواه البخاري في "صحيح" [ج1/ص: 52/ر:110]، وذكره مسلم في مقدمة "صحيحة" [ص: 3]، وأجمع على صحته باقي أئمة الصحيح التسعة، والمحدثين، وخلاصة حكمه: [متواتر] ..
وهذا الحديث رواه كبار الصحابة كالخلفاء الراشدين وباقي العشرة المبشرين بالجنة والعبادلة الأربعة أحبار الأمة، فقد رواه أكثر من سبعين صحابي ..
المتواتر المعنوي: وهو الذي لا يشترط في روايته المطابقة اللفظية، بل يكتفي بمضمون المعنى ووعره، وهو كثير جدا، ومن ذلك أحاديث رفع اليد بالدعاء وقد ذكر العلماء من عداد المتواتر المعنوي حديث:
عن الفاروق الأشهب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه )، رواه البخاري بصحيحة برقم : [6953] و [6689]، ومسلم بصحيحة [1907]، وأبو داود في سننه برقم :[2201]، وصححه له الألباني في " صحيح أبي داود" بذات الرقم، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [4324] ، وفي "صحيح النسائي" [3437]، وفي "صحيح الترمذي" [1647] ، وخلاصة حكمه : [ متفق عليه] ..
مع العلم بأنه تفرد به الفارق الأشهب "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه وأرضاه، لكن الفاروق يوازي أمة بالعدالة والضبط فهو من الطبقة الأولى للرواة، يضاف إلى ذلك أنه ذكره رضي الله عنه وأعني هذا الحديث، أمام حشد غفير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في خطبة وهو خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي مجالس الصحابة قبل وبعد الخلافة ..
لذلك نجد هذا الحديث هو أحادي في أوله، ثم طرأت عليه الشهرة عند جمع غفير من الصحابة ثم التابعين فتواترت روايته، دون أن يختلف على صحته المحدثين ..
والحديث المتواتر إن كان لفظي أو معنوي، فهو يوجب العلم القطعي اليقيني، حتى أن الأحادي الذي أخبر به الواحد التام العدالة والضبط عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يوجب العلم و العمل معا ..
وزياد في التوضيح فالتواتر المعنوي قد يكون بما هو لفظ ثابت ولكن مع توسع في آفاق البيان والدلالة، وقد يروى بألفاظ متعددة مع ثبات وعر المتن ..
مراتب الحديث الصحيح:
تتفاوت رتب الحديث الصحيح بحسب أوصاف العدالة والضبط إلى غير ذلك من الصفات المقتضية للتصحيح فمن كان متصلا سنده وكانت روايته من فئة الدرجة العليا من العدالة والضبط، إلى جانب عدم الشذوذ والعلة القادحة، وسائر صفات القبول، كان أصح مما دونه وأرجح وحيث أن هذه الصفات في كتاب صحيح البخاري أكمل ومنها في صحيح مسلم ولأجل ذلك قدم الجمهور صحيح البخاري على صحيح مسلم ..
هذا وقد صنف علماء الحديث، مراتب الصحيح أو الحديث الصحيح، على الوجه التالي:
أ.المرتبة الأولى: ما تفق على صحته الشيخان البخاري ومسلم، ويقال عنه: [متفق عليه] ..
ب.المرتبة الثانية: ما انفرد به البخاري حيث أنه اقتضى أن يكون راوي الحديث قد ثبت له أنه التقى مع من روى عنه ولو مرة ..
و لا ننسى أن البخاري أجل في العلو وأطول باعا من مسلم وان مسلما تلميذ البخاري، وتخرج على يديه بعلم الحديث ..
ج.المرتبة الثالثة: ما تفرد به مسلم ..
د.المرتبة الرابعة: ما صح عند غير الشيخين في كتب السنن الأربعة وهم الأئمة المعتبرين وهم بترتيب رتب الرواية على الشكل التالي: أقدرهم أبو داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجه، ثم بالدرجة الثالثة باقي الصحاح التسعة، وهم الإمام أحمد ثم الإمام مالك ثم الدارمي، أو بترتيب عكسي عند بعض المحدثين، أو بتوسيط الإمام أحمد على ذات الترتيب، لأن الإمام أحمد بدأ محدثا، ثم انتهى محدثا فقيها، بعد أن تلقى أصول الفقه على تلميذ أبي حنيفة "أبو يوسف"، والإمام الشافي الكبير "محمد بن إدريس" رحمه الله تعالى ..
وهذا التقديم عند أهل الاختصاص في علم الحديث، كان من باب تقديم التخصص الحديثي، متناسين أن نقص التفقه على عمومه وخصوصه يؤدي إلى الغبن بالسند، والتلاعب بالمتن، ويزيد هامش خطأ علماء الحديث المخرجين والمحققين ..
ومثال ذلك ما حدث مع الشيخ المحدث "الألباني" رحمه الله تعالى، الذي عندما ثقلت خبرته وزادت مهارته، واشتد فقهه، تراءى له خطأ تحقيقه فيما حقق، تصحيحا وتضعيفا لأكثر من ستمائة حديث شريف، [انظر في "تراجع العلامة الألباني فيما نص عليه تصحيحا وتضعيفا" بجمع إعداد جزئية من قبل "أبو الحسن الشيخ"]، ومع ذلك كلا الفريقين خير في منظوره وترجيحه لأولوية أئمة الصحيح، فكما يقال: اختلاف الأئمة رحمة بالأمة ..
وهذه المراتب في تصحيح الحديث والعمل بها، كان مبعثها أن الشيخين لم يستوعبا في صحاحهم كل الأحاديث الصحيحة، إلا أنه ولكثرة شهرة صحيحي البخاري ومسلم، توهم الناس أنهما استوعبا جميع الأحاديث الصحيحة ..
بيد أن هناك كتب أخرى في الصحيح، كما أسلفنا، سبقت صحيحي الشيخين بالزمن، أمثال "الموطأ" للإمام دار الهجرة "مالك بن أنس" رضي الله عنه، حيث يقول الإمام الشافعي رحمه الله في موطأ مالك: ( لا أعلم كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك )، وكان قول الإمام الشافعي هذا قبل وجود كتابي الصحيحين للشيخين البخاري ومسلم، الأكثر توثيقا وتدقيقا للصحة ..
ومن الكتب في الأحاديث الصحيحة أيضا، ما يصنف في المرتبة الخامسة، كل من صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم على الصحيحين، وغيرهم ممن تعهد رواية الصحيح بعد كتب الصحيح التسعة ..
ومما يجب الإشارة إليه أنه إذا قيل في حديث أنه غير صحيح، فليس ذلك ملزم قطعا، بأنه موضوع أو كذب باطل، بل قد يكون صدقا، غير أنه لم يصح إسناده على الشروط التي اعتبرها العلماء من شروط الصحة، علما بأن علماء الحديث قد يختلفون في صحة بعض الأحاديث، لاختلافهم في وجوب الأوصاف التي تجعل الحديث في عداد الصحاح، وقد يعدل بعض العلماء عن قولهم بأن الحديث صحيح، إلى قولهم "صحيح الإسناد" قاصدين من ذلك الحكم بصحة السند من غير أن يلزم ذلك صحة المتن، لجواز أن يكون في المتن شذوذ أو علة ..
ولكن إذا اجتمع صحة السند مع صحة المتن قالوا بحكمه: [حديث صحيح] ..
أنواع الحديث الصحيح:
الصحيح نوعان: صحيح لذاته ... صحيح لغيره ..
الصحيح لذاته: فهو الذي يشتمل على أعلى مواصفات أو صفات القبول ..
الصحيح لغيره: فهو مالم يشتمل على أعلى صفات القبول، كأن يكون الضبط فيه غير تام في مجمل رواته أو أحد الرواة أو عدد منهم فيصبح لين الصحة [حسن]، إلا أنه ورد في طريق رواية أخرى أرجح بالضبط والصحة أو تساويه بالصحة والضبط، فيرقى بالتقوية [التعاضد] بالرواية العددية والنوعية إلى درجة الصحيح، إلا طرق التصحيح بتعدد المثلية بقوة الرواية، لم يكن ملزما للمحدثين، كإلزام النوع في درجة الرواية ..
أحكام التصحيح والتحسين والتضعيف:
اختلف علماء الحديث في شأن التصحيح والتحسين والتضعيف ..
يقول الإمام النووي: ( الأظهر عندي جواز التصحيح لمن تمكن وقويت معرفته )، ورد في "التقريب والتيسير" للنووي [ص: 24] ..
وقال الحافظ العراقي: ( وما رجحه النووي، هو الذي عليه عمل أهل الحديث، وقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا، وحيث جاز التصحيح والتحسين والتضعيف، من باب أولى )، ورد في "التقييد والإيضاح" للعراقي [ص: 29] ..
حكم الحديث الصحيح:
أجمع العلماء من أهل الحديث ومن معتمد ويعتد برأيه من الفقهاء والأصوليين، على أن الحديث الصحيح متواتر كان أم غير متواتر ..
حجة يجب العمل به سواء كان آحادي الرواية، أي رواه راوي واحد بسند متصل أو كان له رواية أخرى أو ثلاثة روايات فأكثر وإن لم يتواتر ..
وقد صنف بعض المحدثين الفقهاء مثل أبو داود السجستاني الصحيح المعمول به إلى صحيح وما شابه الصحيح وما قارب الصحيح، وكذلك الأمر عند المحدث الفقيه أبو عيسى الترمذي حيث قسم الحديث الصحيح إلى صحيح وحسن صحيح وحسن إضافة إلى الحسن الغريب والغريب وغيره من المسند الغريب، فإن ذلك يطلق عنده على من كان له راوي واحد في أوله أو في أوسطه أو في آخره أي صحابي واحد وتابعي واحد، إلى منتهاه وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
ثانيا: الحديث الحسن:
الحديث الحسن: هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله بضبط أخف من ضبط راوي الصحيح، وهو سالم من شذوذ أو من علة قادحة ..
فشروط الحديث الحسن كشروط الحديث الصحيح، ولكن الفرق بينهما هو أن الحديث الصحيح يشترط فيه الضبط التام، فإن خف الضبط، فهو الحديث الحسن..
وتوضيحا لذلك قد يتكلم بعض علماء الحديث في راوي من حيث خفة الضبط، ولكن هذا الراوي ثقة معدود من الثقات، وقد اشتهر بالصدق والأمانة بترجيح المحدثين المتحققين، لذا يعتبر حديثة حسنا لأن مكانة الصدق والأمانة لها المرتبة الأولى عند علماء الحديث ..
ومن الأمثلة على ذلك ما رواه الترمذي عن بهر بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي، فقال: قلت يا رسول الله: من أبر؟، قال: ( أمك )، قلت ثم من؟، قال: ( أمك )، قلت ثم من؟، قال: ( أمك )، قلت ثم من؟، قال: ( أباك ثم الأقرب فالأقرب )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 757/ر:5139]، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:5139]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 273/ر:1897]، وقال: هذا حديث حسن، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" [ج1897]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج5/صك 623/ر:19524]، وخلاصة حكمه: [حسن] ..
وتكلم شعبة في بهر بن حكيم بعلته الضابطة ولكنه ثقة، عند علماء الحديث، فهذا الحديث متصل السند من غير شذوذ ولا علة قادحة، ولم يقع بين الرواة أي اختلاف في السند أو المتن، وبهر بن حكيم لدى أهل الحديث ثقة من أهل الصدق والأمانة لكن استشكل العلماء بعض مروياته وهذا لا يسلبه ثقة الضبط لكنه يخفف ضبطه، لذا فهذا الحديث حسن لذاته ..
أ.أنواع الحديث الحسن: الحديث الحسن نوعان: حسن لذاته ... وحسن لغيره ..
الحديث الحسن لذاته: هو ما اشتهر رواته بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكون راويه يقصر عنده الحفظ من ناحية الإتقان أي أن هذا الراوي اشتهر بالعدالة لكنهم لم يشتهر بتمام الضبط كما هو الحال عند راوي الصحيح، مع اتصال السند دون شذوذ أو علة قادحة ..
ب.بالحديث الحسن لغيره: وهو ما كان فيه ضعف في حفظ راويه الصدوق الأمين ولكن بشكل خفيف، أو كان إسناده مستور عن الظاهر، خفي الباطن، وقيل من لم ينقل فيه جرح ولا تعديل فما هو منهم بكذب ولا فسق، يكون متن الحديث الذي رواه قد اعتضد بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر غير الوجه الوارد فيه، فالأصل في الحديث الحسن لغيره أنه طرأ عليه تحسين بمجيئه من وجه آخر لسند رجاله أكثر وثوقا..
حكم الحديث الحسن: الحديث الحسن بنوعيه يشابه الصحيح في الاحتجاج والعمل به فهو مقبول عند جميع الفقهاء والأصوليين، فهو مقبول ولو كان دون الصحيح في القوة لأنه وفق رأي المحدث الفقيه أبو داود السجستاني، في مصاب الصحيح ..
قاعدة في فقه الحديث: قد يكون الحديث صحيح الإسناد أو حسنا لثقة رجاله، ومع ذلك لا يكون هذا الحديث لا حسنا ولا صحيحا لشذوذ في متنه أو علة قادحة به، وقد يقول المحدثين، حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد غير أن قولهم هذا لا يستلزم صحة المتن أو تحسينه، فكل ما صح سندا صح متنا ..
لأن صحة الدلالة والمعنى لا تتعارض مع صحة السند فإن تعارضت فيعمل به على أساس معنى المضمون وليس باللفظ بعينه، وذلك إن صحت دلالته أصولا، وهو ما يفسر سبب تداول الفقهاء الأربعة والفقهاء الأصوليين أمثال الإمام الغزالي لكم كبير من الأحاديث الضعيفة في مذاهبهم ومؤلفاتهم ومدوناتهم ومصنفاتهم، معتمدين على صحة المتن، الموافق لما ثبت بشكل قاطع في القرآن والسنة ..
أما إن قيل هذه حديث صحيح أو حسن دون علة أو قيد في صحة المتن والسند، عندها يصبح الحديث صحيح سندا ومتنا، فنقول: حديث صحيح أو حسن، وفق درجة ضبطه ..
وإن كان الحديث ذا أسانيد متعددة، أي روي بإسنادين أو أكثر، فإطلاق الصحة والتحسين عليه مشروط بالسند كأن نقول: صحيح مسند، أو نقول إسناده صحيح، فإن روي الحديث بروايتين أو أكثر إحداها أو عدد منهم صحيح والقسم الباقي حسن، يقال في حكمه: حسن صحيح، وهذا التصنيف اشتهر به أبو عيسى الترمذي ..
ومن الأمثلة على ذلك ما رواه محمد بن عمرو [صدوق له أوهام]، عن أبي سلمة [ثقة إمام مكثر]، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )، رواه الترمذي في "سننه" [ج1/ص: 34/ر:22]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:22]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج2/ص: 558/ر:7794]، وصححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج2/ص: 203]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:7506]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:5315]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
فمحمد بن عمرو اشتهر بالصدق والأمانة، لكنه كضبط لم يكن من أهل الإتقان، لضعف في حفظه ووثقه بعضهم أمثال النسائي، لصدقه وجلالته ..
فحديثه من هذه الجهة حسن فلما كانت إلى روايته روايات من أوجه أخرى صحيحة، فجبر أو عوض هذا النقص بالإتقان وصح إسناده فالتحق بدرجة الصحيح ..
ثالثا: الحديث الضعيف :
يطلق اصطلاح "الحديث الضعيف" على كل حديث شريف فقد شرطا من شروط الحديث الصحيح أو الحسن وهي كما ذكرنا من قبل هي شروط ستة:
1.اتصال السند ..
2.العدالة ..
3.الضبط ..
4.عدم الشذوذ ..
5.الخلو من العلة القادحة ..
6.العاضد عند الاحتجاج ..
والحديث الضعيف الخفيف الضعف دون تقوية، معمول به على حاله، عند جمع من علماء الحديث ولكن بشكل مقيد أي في مجال الفضائل والترغيب والترهيب، والزهد والرقائق، كما يخبر بذلك الإمام النووي، حيث يقول: ( قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً؛ وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك )، ورد في "الأذكار" للنووي [ص: 36] ..
وللإمام النووي قول قريب أيضا يصب بذات المقصد في كتابه "شرح مسلم" [ج/ص: 125]، وفي كتابه "التقريب" [ج1/ص: 512] ..
ولم يعارض العمل بالحديث الضعيف وعدم قبوله مطلقا سوى الإمام مسلم بن الحجاج وحتى الإمام البخاري شيخ مسلم وشيخ المحدثين أدرج كم كبير من الأحاديث الضعيفة في كتابه "الأدب المفرد"، وحتى الإمام أحمد بن حنبل رغم تشدده قال: ( الحديث عن الضعفاء قد يُحتاج إليه في وقت )، ورد في "شرح العلل" لابن رجب [ج1/ص: 385] ..
وكان يقصد رحمه الله من باب الاستشهاد به، أي الاستشهاد التشريعي إذا دعت الضرورة؟!!، وبناء عليه نجد أن الأئمة الأربعة استشهدوا في مذاهبهم بمئات الأحاديث الضعيفة؟!!..
يقول السخاوي بذلك: ( لكنه [ابن حنبل]احتج رحمه الله بالضعيف حين لم يكن في الباب غيره، وتبعه أبو داود، وقدماه على الرأي والقياس. ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك. وإن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيره)، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج1/ص: 287] ..
والحديث الضعيف يصبح مقبول العمل به ويحتج به إذا قوي أو حسن بذاته أولغيره، ومن خلال شروط تقويته منها: التقوية بالمتابعة، والمقارنة، والشهرة، والمطابقة [ مطابقة الواقع]، والتعاضد [تحسينه بطرق الرواية]، والتوثيق التاريخي .... إلى غير ذلك من طرق التحسين والتقوية التي سوف تناولها في نهاية بحث الحديث الضعيف بشيء من التفصيل ..
يقول الإمام النووي: (الحديثُ الضعيف عندَ تعددِ الطرق [التعاضد] يرتقي عن الضعفِ إلى الحسن،ويصير مقبولاً معمولاً به )، ورد في "قواعد التحديث" للقاسمي [ص: 69] ..
وتقوية التضعيف يشترط بها أن لا يكون من فئة الشديد الضعف عندها: لا يُقوّى ولا يُقوّي ..
الضعف بالانقطاع: وهو الضعف بعدم اتصال السند ..
أوجه انقطاع السند:
إن انقطاع السند إنما يكون على وجهين:
أ.أما موضع الانقطاع فيشمل الحديث المرسل والمنقطع والمعلق والمعضل والمرسل الخفي، بحيث يكون وقوع الانقطاع إما في آخره إذا رواه تابعي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يذكر الصحابي الذي سمعه وتحمله[أي الذي حمل رواته من منتهاه صلى الله عليه وآله وسلم]، والمنقطع ما سقط من رواته واحد قبل الصحابي، والمعضل ما أوقع الانقطاع فيه اثنان من مبدئه أو أكثر كحذف جميع رواته؟! ..
ب.أما طبيعة الانقطاع فقد يكون الانقطاع ظاهر أو قد يكون الانقطاع خفيا، فالانقطاع الظاهر يكون بعدم المعاصرة، أو التلاقي بين الراوي ومن روى عنه كالحديث المرسل والمعضل والمعلق، وغيره، والانقطاع الخفي كأن يورد الراوي حديث بصيغة توهم التلاقي والسمع ممن عاصره، لكنه لم يلتقي به، وذلك كالحديث المدلس، أو يورد الحديث بمجرد الرواية عمن عاصره، ولم يعرف أنه التقى به، وذلك كالمرسل الخفي ..
ونترك الآن اقتضاب البيان في أنواع الانقطاع لشيء من الشرح والتمثيل:
أ.الحديث المنقطع: وهو كل حديث لم يتصل إسناده أو سقط من إسناده رجل من رواته في بدايته بعد الصحابي الراوي ..
ومن الأمثلة على الحديث المنقطع ما رواه أبو داود حول القنوت في رمضان:
حدثنا شجاع بن مخلد، حدثنا هشيم، حدثنا يونس عن عبيد، عن الحسن البصري، ( أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة ولا يقنت بهم، إلا بالنصف الباقي )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 454/ر:1429]، والبيهقي في "سننه الكبرى" [ج4/ص: 64/ر:4735]، وخلاصة حكمه: [حسن لغيره]..
قال الإمام النووي في حكم هذا الأثر الراشدي في "المجموع" [ج1/ص: 18]: مقطوع ..
وقَالَ أَبُو دَاوُد عقب روايته: ( وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُنُوتِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ أُبَيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ )، ورد في "سنن أبو داود" [ج1/ص: 454]؛اهـ
قلت: والحسن البصري رضي الله عنه، لم يدرك عمر بن الخطاب و لا أُبي بن كعب رضي الله عنهما. لكن يشهد له أنه تام عدل، لكن هذا الأثر مقطوع السند، ويحسن لغيره من السند المتصل عن غيره ..
إذا فهذا الحديث منقطع الإسناد ذلك لأن الحسن البصري رحمه الله تعالى، ولد سنة إحدى وعشرين من الهجرة، وتوفي الفاروق رضي الله عنه، سنة ثلاث وعشرين، فأنى يمكن للحسن البصري أن يسمع عن عمر رضي الله عنه، ويكون عنده من الوعي والاستيعاب ما يجعله يروي هذه الرواية وقد بلغ من العمر سنتين ..
حكم الحديث المنقطع: حكم الحديث المنقطع عدم الاحتجاج به للجهل بحالة ورتبة المحذوف من حيث العدالة والضبط، إلا أن العلماء قالوا أن الحديث إذا جاء من طريق آخر موصول السند وتبين أن الراوي الذي كان محذوفا ثقة، فالحديث حجة ومقبول ..
والانقطاع إن كان من بعد الصحابي الراوي أي حذف التابعي، يسمى موقوفا على الصحابي الراوي، لا مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
ب.الحديث المرسل: الإرسال لغة: يعرف بالبعث وبالإطلاق، نقول فلان أرسل الطير أي أطلاقه وتركه دون قيد، والحديث المرسل هو الذي رواه تابعي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مباشرة دون تقيده بذكر الصحابي الذي حمله ورواه منه صلى الله عليه وآله وسلم ..
كما لو قال التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كذا أو فعل كذا ..
ومن الأمثلة على الحديث المرسل ما رواه الشافعي رضي الله عنه:
أخبرنا سعيد عن ابن جريج، أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يظهر التلبية، لبيك اللهم لبيك )، رواه البيهقي في "سننه الكبرى" [ج7/ص: 98/ر:9116]، والإمام الشافعي في "مسنده" [ج1/ص: 122/ر:572]، وقال النووي في "المجموع" [ج7/ص: 243]: مرسل، رواه الشافعي، والبيهقي بإسناد صحيح ..
وصرح بإرساله كل من: ابن الملقن في "البدر المنير" [ج6/ص: 163]، والبيهقي في "سننه الكبرى" [ج7/ص: 48]، وابن حجر في "الفتوحات الربانية" [ج4/ص: 362]، وغيرهم ..
فهذا حديث مرسل لأن مجاهد تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يذكر الصحابي الذي كان الواسطة، بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه صحح لأن مجاهد من كبار التابعين وكان تام عدل، وفقيه يعتد بصدق قوله ..
حكم الحديث المرسل: الحديث المرسل مقبول يحتج به إذا ورد على رجل من كبار التابعين شيخ بالصحة تام العدالة والضبط، لشروط اعتبارية في الحديث المرسل والراوي للحديث، والاعتبار في الحديث المرسل هو:
1.أن يروى مرسلا بمعناه عن راوي آخر، أي لا يجوز أن يحمل على لفظه الصريح مرفوعا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع وجود هذا الانقطاع ..
2.أن يوافق قوله لقول أحد كبار الصحابة على رأسهم الخلفاء الراشدين وباقي المبشرين بالجنة، أو العبادلة الأربعة ..
3.أن يكون قد قال به أكثر أهل العلم وبمقدمتهم فقهاء المدينة السبعة، وأئمة المذاهب وكبار الأعلام المحدثين والأصوليين والمفسرين ..
والاعتبار في الراوي المرسل أن يكون ثقة وحينئذ يكون الحديث حجة ويحتج به ..
يقول السخاوي : ( واعلم أن المرسَل حجة عند أبي حنيفة، ومالك ومن وافقهما [وكذا الإمام أحمد في المشهور عنه] )، ورد في "التوضيح الأبهر" للسخاوي [ج1/ص: 42] ..
يقول أبو داود السجستاني في رسالته لأهل مكة: ( وأما المرسل فقد كان يحتج به العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه )، ورد في "فتح المغيث" للسخاوي [ج1/ص: 133] ..
ويقول ابن جرير: ( أجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل، ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين )،ورد في "توجيه النظر" للجزائري [ص: 245] ..
وكان الإمام الشافعي يأخذ بمراسيل كبار التابعين أمثال "سعيد بن المسيب" ونخبة من فقهاء الحجاز كالزهري، والأوزاعي، ويرد مراسيل صغار التابعين . انظر في "جامع الأصول" لابن الأثير [ج1/ص: 94] ..
وسبب رد الإمام الشافعي لمراسيل صغار التابعين: كونهم أشد تجوزا ممن يروون عنهم, وضعف مخرج ما أرسلوه, وكثرة الإحالة، انظر في "طبقات الشافعية" لابن السبكي [ج21/ص: 10] ..
يقول الإمام النووي: ( ومذهب الشافعي: إذا انضم إلى المرسل ما يعضده [يقويه]، احتج به وبان بذلك صحته, وذلك بأن يروي مسندا أو مرسلا من جهة أخرى, أو يعمل به بعض الصحابة رضوان الله عليهم أو أكثر العلماء, سواء عنده في هذا مرسل سعيد بن المسيب وغيره )، ورد في "شرح البخاري" للنووي [ص: 11] ..
وكان الإمام الشافعي يقول في مرسل ابن المسيب، وهو أحد الفقهاء السبعة: أفضل المراسيل ..
وبذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ( إن ما ذكرناه من حكم المرسل من الحديث فهو مرسل التابعي، أما مرسل الصحابي فله حكم آخر ) ..
مراسيل الصحابة: مراسيل الصحابة هي الأحاديث التي يرونها الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتيسر للصحابي الذي روى الحديث أن يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بذاته، بل سمعه عن صحابي آخر وهي الحالة الأغلب، فثبوت شرف الصحبة كافي لتعديل الصحابي وفي ذلك قال الصحابي الجليل " البراء بن عازب" رضي الله عنه: ( ليس كلنا سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لها ضيعة وأشغال، ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ، فيحدث الشاهد منا الغائب )، رواه الحاكم النيسابوري في "المستدرك" [ج1/ص: 216/ر:438]، وقال في حكمه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين؛ اهـ
حكم مراسيل الصحابة: مراسيل الصحابة حجة ويحتج بها أكثر العلماء وقد عدها علماء الحديث في حكم الحديث الموصول السند، لأن روايتها عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم والصحابة أفاضل أهل السبق من سلف خير القرون الخيرة الأولى، وكلهم عدول ثقات مع التمام ..
والمشهور في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، قبول مراسيل الصحابة ..
يقول الحافظ السخاوي: ( قد صَرّح ابن بُرْهان في "الوجيز" : أن مذهبه [مذهب الشافعي] أن المَراسيل لا يجوز الاحتجاج بها إلا مَراسيل الصحابة ومَراسيل سعيد [ابن المسيب]، وما انعقد الاجتماع على العَمَل به )، ورد في "فتح المغيث" [ج1/ص: 147]، وفي "توجيه النظر" للجزائري [ص: 246] ..
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "هدي الساري" [ص: 350]: (وقد اتفق المحدثون على أن مرسل الصحابيفي حكم الموصول )، وقال في نفس المصدر [ص:378]: ( وقد اتفق الأئمة قاطبة على قبول ذلك، إلا من شذ ممن تأخر عصره عنهم، فلا يعتد بمخالفته )، ورد في "التوضيح الأبهر" للسخاوي [ج1/ص: 40] ..
ومن الأمثلة على مراسيل الصحابة من الأحاديث ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: ( ابتعت زيتا في السوق فلما استوجبتنه لقيني رجل فأعطاني فيه ربحا حسنا فأردت أن أضربه على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحالك، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نهى أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 304/ر:3499]، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3499]: حسن لغيره، ورواه الدارقطني في "سننه" [ج3/ص: 13/ر:36]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج2/ص: 46/ر:2271]، وصححه ابن حبان في "بلوغ المرام" [232]، وخلاصة حكمه: [حسن] ..
ج.الحديث المعضل : والمعضل لغة: المنع والشدة، والمعضل هو المستغلق، يقال أعضله الأمر أي أعياه، واستغلق عليه استغلاقا شديدا ..
وأعضله الأمر أي ضاقت به الحيل، وفي اصطلاح علماء الحديث : "هو الحديث الذي سقط من إسناده روايان أو أكثر على التوالي، من أي موضع كان تقدما وتوسطا وتأخرا"، أي في بداية الرواية أو أوسطها أو آخرها، ومثال ما يرويه تابعي التابعي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم دون الصحابي والتابعي قبله ..
ومثال ذلك قول الإمام مالك رضي الله عنه في "الموطأ" : بلغني عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيقه )، رواه مالك في "الموطأ" [ج2/ص: 980/ر:882]، وقال الحاكم النيسابوري : ( معضل لأنه قد وصل خارج الموطأ )، ورد في "معرفة علوم الحديث" للحاكم [ص: 81] ..
وقد روى الإمام مالك في غير الموطأ عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه ..
وقد رواه بهذا السند المتصل كل من : الإمام مسلم في "صحيحة" [ج11/ص: 136/ر:4292]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج3/ص: 14/ر:8305]، ورواه البخاري في "الأدب المفرد" [ج1/ص: 71/ر:192]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج10/ص: 152/ر:4313]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:7350]، وصححه له الألباني في "صحيح الجامع" [ر:5191]،والمنذري في "الترغيب" [ج3/ص: 221]، وصححه له الألباني في "صحيح الترغيب" [ر:2284]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
ولم يكن هذا في الموطأ فلم يذكر ابن عجلان أولا، ولا أبيه ثانيا، بل انتقل إلى أبي هريرة مباشرة ..
ومن الأمثلة أيضا للإمام مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( استقيموا ولن تحصوا، وأعملوا وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )، رواه مالك في "الموطأ" [ج1/ص: 34/ر:66]، وخلاصة حكمه: [معضل] ..
فهنا بين مالك وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رجلان: التابعي والصحابي ..
وقد روي هذا المتن بسند متصل، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل من : ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 147/ر:277]، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:226]، والدارمي في "سننه" [ج1/ص: 177/ر:660]، والإمام أحمد في "مسنده" [ج6/ص: 372/ر:21873]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج1/صك 221/ر:449]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:994]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
ومن أمثلة مالك أيضا، في المعضل، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ( أخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حين وضعت رجلي الغرز أنه قال: " أحسن خلقك يا معاذ بن جبل" )، رواه الإمام مالك في "الموطأ" [ج2/ص: 902/ر:717]، وقال فيه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" [ج3/ص: 69]: منقطع ورجاله ثقات ، ورواه البيهقيفي "الشعب"[ج6/ص: 245/ر:8029]،وخلاصةحكمه: [معضل] ..
فبين مالك ومعاذ أكثر من راويين ..
وقيل في "الموطأ" : هذا آخر الأحاديث الأربعة التي قالوا: ( إنها لم توجد موصولة في غير الموطأ وذلك لا يضر مالكاً الذي قال فيه سفيان بن عيينة: كان مالك لا يبلغ من الحديث لا ما كان صحيحاً. وإذا قال: بلغني فهو إسناد صحيح.
فقصور المتأخرين عن وجود الأربعة، موصولة، لا يقدح فيها. فلعلها وصلت في الكتب التي لم تصل إليهم )، ورد في "الموطأ" لمالك [ج2/ص: 902] ..
حكم الحديث المعضل: الحديث المعضل أضعف من المنقطع ومن المرسل، لأن المنقطع سقط من سنده راوي واحد، وكذلك المرسل، أما المعضل فقد سقط من إسناده راويان فأكثر، فلا تقوم به حجة لأن من شروط القبول والصحة عدالة الراوي وضبطه ..
إلا أنه إذا جاء المعضل والمنقطع والمرسل من طرق أخرى موصولة وتبين ثقة الراوي المحذوف صار مقبولا يعمل به ..
د.الحديث المعلق: المعلق من الأشياء أي ما كان مقطوعا عن الأرض موصولا بأعلى كالسقف وغيره، وبناء على ذلك:
فالحديث المعلق: هو ما حذف من مبتدأ إسناده الراوي الأول أو الأوائل من الرواة على التوالي ولو إلى نهاية السند، فيعزى الحديث [أي ترجع روايته] إلى ما فوق المحذوف، من الرواة، ويكون التعليق على ثلاثة أوجه:
1.الوجه الأول: أن يحذف من أول السند راوي واحد ..
2.الوجه الثاني: أن يحذف من أول السند جميع الرواة ما عدا الصحابي ..
3.الوجه الثالث : أن يحذف من السند جميع الرواة؟؟!! ..
ومن الأمثلة على المعلق الذي حذف من أول سنده راوي واحد فقط، قول البخاري (x)، وقال مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: ( لا تفضلوا بين الأنبياء ... )، ]، رواه الشيخان في الصحيح، البخاري برقم: [3415]، ومسلم برقم: [2373]، وقال البيهقي عن حكمه في "حياء الأنبياء" [ص: 48]: ثابت..
وقال الحافظ الطحاوي في مصنفه: ( وعلى هذ
- AAMER
- عدد المساهمات : 5112
تاريخ التسجيل : 19/09/2012
تاريخ الميلاد : 01/06/1989
المزاج : xxxgod
نقاط النشاط : 20309
السٌّمعَة : 0
العمر : 35
رد: الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الثاني]
02/11/12, 06:23 pm
چزآگ آلله گل خير آخي آلگريم
- énergie
- عدد المساهمات : 410
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
تاريخ الميلاد : 01/03/1987
المزاج : الحمد لله
نقاط النشاط : 4756
السٌّمعَة : 0
العمر : 37
رد: الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الثاني]
30/11/13, 12:12 am
شكرا على الموضوع بارك الله فيكم اخوكم انيرجى
رد: الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الثاني]
09/04/15, 03:48 am
جَزَاك الْلَّه خَيْر الْجَزَاء
وَشُكْرَا لَطـــرَحُك الْهَادَف واختيارك الْقَيِّم
رِزْقِك الْمَوْلَى الْجِنـــــــــــــة وَنَعِيْمَهَا
وَجَعَلـ مَا كُتِب فِي مَوَازِيّن حَســــنَاتكم
دمتم كما تــحبــون
اخوكم انور ابو البصل
وَشُكْرَا لَطـــرَحُك الْهَادَف واختيارك الْقَيِّم
رِزْقِك الْمَوْلَى الْجِنـــــــــــــة وَنَعِيْمَهَا
وَجَعَلـ مَا كُتِب فِي مَوَازِيّن حَســــنَاتكم
دمتم كما تــحبــون
اخوكم انور ابو البصل
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى