- رودى رودى
- عدد المساهمات : 37
تاريخ التسجيل : 02/09/2012
نقاط النشاط : 4547
السٌّمعَة : 0
سلسلة / نفحات قرآنية (19)
16/02/13, 08:41 pm
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ،
مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ،
وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ،
ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
إخوانى وأخواتى الاعزاء
اعضاء منتدانا الغالى
سلسلة / نفحات قرآنية (19)
بخاري أحمد عبده
الآل، والأهل، والمودة في القربى
[b]
تحقَّق أنَّ رُسل الله أُباةٌ، مُترفِّعون، ذوو شممٍ.
وهم - صلوات الله
وسلامه عليهم - يُحاوِلون أنْ يضفوا على أتْباعهم من فيض هذه الخِلال، وأنْ
يربُّوهم على عزَّة النفس، والزهادة فيما عند الناس.
ومحمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - بُوِّئ[2] (بالبناء للمجهول) ذِروة[3] هذه الصِّفات، ومُكِّنَ (بالبناء للمجهول) على جادَّة[4] الاحتساب وغِنَى النفس، والاكتفاء بالله.
ولقد جاهَد - صلَّى
الله عليه وسلَّم - كغيره من الأنبياء - عليهم السلام - كي يصهر صحابته في
بوتقة هذه السَّجايا، وأنْ يحقنهم بتِرياق[5]
الإباء والعفَّة والحب، وأنْ يُحصِّن الأمَّة ضدَّ أدْواء الخيانة
والنِّفاق، وشر الحواس وجُوع الفؤاد الذي يُورِث الشَّرَه واللهاث، والله -
تبارك وتعالى - حَدَّ (بفتح الحاء وتشديد الدال) لرسوله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - من أوَّل وهلة حُدودَه، وبيَّن له أبعاد رِسالته؛ ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]، ﴿ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴾ [الشورى: 48].
وأدَّبه بآياتٍ
شافية، تمنعه مِن أنْ يضيق صدرُه، أو يتشعَّب فكره، أو تتذبذب نفسه، وتطير
شعاعًا إنْ هم أعرضوا أو استغشوا ثيابهم، وأصرُّوا واستكبَرُوا استكبارًا،
ولقَّنَه ربُّه أصولَ الحسبَنَة[6] ليَلُوذ بها كلما اكفهرَّت الأجواء؛ ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129].
والاحتساب أصلٌ مِن أصول الإسلام؛ ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162 - 163].
ولِخُطورة
شأن الاحتساب وإقامة المؤمن على درْب التوكُّل الشرعي، تعدَّدت الآيات
التي تأمُر بالاحتساب، وتحثُّ على الحسبَنَة، وتُثنِي على المحتسِبين
المحسِنين:
1-
تارة يُثِير القرآن بنداء النبوَّة كلَّ قوى العزْم في نبيِّه - عليه
الصلاة والسلام - ثم يُلقِي إليه أنَّه مولاه وكافِيه وعاصِمُه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64][7].
2-
وتارة يُؤكِّد القُرآن شُمول رِعاية الله لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم
- يردُّ عنه كلَّ كيْد، ويدحَضُ كلَّ مكر، ويُوفِّر لنبيِّه الجانب الآمِن
المَنِيع؛ ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾ [الأنفال: 62 - 63].
3- وآنًا يُؤكِّد القرآنُ منعة المتوكِّلين، ويجعل نصرة المتَّقِين وكِفايتهم عهدًا وقانونًا لا يتخلَّف؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ
اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2 - 3].
4-
ومرَّة يُشِيد القرآن بموقف مؤمنين ارتفَعُوا بإيمانهم فوق القُروح
والجروح، وسَما بهم يقينُهم واعتِزازهم بربهم إلى مستوى رفيع تتَضاءَل معه
جموعُ الناس، وتهون تهديداتهم؛ ﴿ الَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 172 - 174].
5- وأخرى يُعرِّض القرآن بنَهَمِ الحواس وجُوع الفؤاد، مُبيِّنًا أنَّ الخير كلَّه في الترفُّع والرِّضا والاحتساب؛ ﴿ وَلَوْ
أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا
اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى
اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾ [التوبة: 59].
6- حتى
إذا ما توطَّدت جذور الحسبَنَة، ووجدت النُّفوس بَرْدَها، وأيْقَنتْ بعظمة
الاحتساب، وجَلال أمر المحتسبين - لقَّن الله رسولَه والمؤمنين أنْ
يُعلِنوها عاليةً، ويُطلِقوها حاسمةً صادعة: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 129].
﴿ قُلْ
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ
اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ
هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ
يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر: 38].
هكذا يُؤصِّل القرآن
الكريم معاني الرِّفعة والعزَّة والعفَّة، وإسلام الوجْه للمَولَى في
قُلُوب المؤمنين، وبأجنحة هذه المعاني الأصيلة يُحلِّق المؤمنون ليبلغوا
مقام (حَسبُنا اللهُ)، ونفحات هذا المقام (حَسبُنا اللهُ) سنيَّة، رخيَّة الشذى، عزيزة المَنال على غير المؤمنين.
ورُسُلُ الله من هذا
المقام كانوا يُواجِهون الجاحِدين، ويُخاطبونهم ولكنْ باللغة التي
يفهمونها، كانوا يُعبِّرون عن اكتِفائهم بالله، وقَناعتهم بنفحات مقام (حَسبُنا اللهُ)، بمثل: ﴿ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾ [هود: 51].
أ- والمصطفى - صلَّى
الله عليه وسلَّم - نهَج نهْج المرسلين - عليهم السلام - فأكَّد لقَوْمِه
أنَّه محتسبٌ، غنيٌّ بالله، وأنَّ عائد المودَّة التي ينشدها مُلِحًّا
راجعٌ إلى الناس أنفسهم؛ ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ * قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾ [سبأ: 47 - 50].
ب-
وليُعمِّق جُذور هذه المعاني في النُّفوس يُؤكِّدها بالأسلوب التلقيني
مُوحِيًا بأنَّ التطلُّع إلى ما يحتازه الناس تطفُّل وتكلُّف لا يَلِيق
بالأنبياء؛ ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86].
استطراد:
والتكلُّف هو تخرُّص
ما لم نُؤمَر به، والتشدُّق بما لم نُحِطْ به علمًا، والتكلُّف بمعنيَيْه
كريهٌ مرفوضٌ، وصحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم، ورضي الله عنهم -
منذ وقَفُوا على قول الله: ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86] ظلُّوا يتناصَحُون بالاعتدال ويتناهَوْن عن التكلُّف، ويربَؤُون بالنَّفس المؤمنة أنْ تُذكَر في عداد المتكلِّفين.
رُوِي عن ابن مسعودٍ - رضِي الله عنه - أنَّه قال: مَن سُئِل عمَّا لا يعلم، فليقل: لا أعلم، ولا يتكلَّف؛ فإنَّ قوله: (لا أعلم) علمٌ، وقد قال الله لرسوله: ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86].
وممَّا رُوِي: للمتكلِّف ثلاث علامات:
الأولى: (أنَّه يُنازِع مَن فوقه) ومعنى ذلك: أنَّه غرٌّ جَهُول يتجاوَز حجمَه ولا يعرف قدرَ نفسه.
والثانية: (أنَّه يَتعاطَى ما لا يَنال)
ومعنى ذلك: أنَّه يهفو إلى السَّراب، ويُمسِي ويُصبِح كالكلب إنْ تحمل
عليه يلهث أو تترُكه يلهث، ومَن بات كذلك فقد أذلَّ نفسه؛ إذ حمَّلَها ما
لا تطيق، وصدَق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا ينبغي للمؤمن
أنْ يذلَّ نفسه))، قالوا: وكيف يذلُّ نفسه يا رسول الله؟ قال: ((يتحمَّل من
البلاء ما لا يُطِيق)).
والثالثة: (أنَّه يقول ما لا يعلم) ومعنى هذا: أنَّه يُخالِف صريحَ الإسلام الذي يُحتِّم على المسلم أنْ يصدر فيما يقول ويفعل عن علمٍ؛ ائتمارًا بقوله - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36]، وقوله - سبحانه -: ﴿ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ... ﴾ [الأنعام: 143]، وقوله - سبحانه -: ﴿ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [آل عمران: 66].
والذي يتزَحزَح عن
العلم إمَّا أنْ يبني على الخرص والظن، والظنُّ لا يغني عن الحقِّ شيئًا،
والقُرآن يشجب كلَّ منطلق أو أمرٍ عِمادُه الظن: ﴿ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الزخرف: 20]، ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]... إلى غير ذلك من الآيات.
وإمَّا أنْ يهوي إلى
غَيابة الجهل؛ فيرجم بالغيب، ويهرف بالحمق، ويفتري الكذب، ويقَع تحت طائلة
الآيات التي تتهدَّد الراجمين، وتُنذِر المغترِّين، وما أكثرها!
وأولئك الذين
يتأوَّلون القُرآن بغير علم، ويتقوَّلون على رسول الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - ويبتَدِعون قِيَمًا تُخالِف طبيعةَ الإسلام، ويستَولِدون مثلَ قول
الله: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23] ولائدَ ممسوخة... إلخ، أولئك هم المتكلِّفون.
والرسول - صلَّى
الله عليه وسلَّم - مُنزَّه عن التكلُّف، وهو - صلَّى الله عليه وسلَّم -
إنْ سأَلَ الأشحَّة المُشرِكين مادَّة أو معنًى فقد تَعاطَى ما لا يَنال،
وأهدَرَ وقت الدعوة سُدًى، وحاشاه أنْ يكون كذلك!
وإذا تأكَّد سموُّ
رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن التكلُّف، وثبَت ترفُّعه عمَّا في
حوزة الناس - أمكنَنَا أنْ نرى المحاجة القويَّة التي تَكمُن وَراء ذلك
الاستفهام الإنكاري التهكُّمي الذي صُدِّرتْ به آيةٌ من الآيات التي تنفي
عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ يسأل أجرًا؛ ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ﴾ [الطور: 40][8].
نعم؛ إذا تأكَّدتْ
نَزاهة رسول الله حُقَّ للقُرآن أنْ يُندِّد بالناكِصين الأشحَّاء، وحُقَّ
له أنْ يُشِيد بما أعدَّ الله لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ تَبَارَكَ
الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ﴾ [الفرقان: 10].
حُقَّ له أنْ يقول: ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 72]، وذلك في سِياق آيات تُسفِّه الأحلام، وتزدَرِي الأهواء التي لا يُقاسُ بها حقٌّ، ولا يقومُ عليها صَلاحٌ؛ ﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ *
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ
ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ... ﴾ [المؤمنون: 70 - 72].
أي: لو كان الحقُّ
ما تَراه الأهواء المختلفة المتضارِبة، لفَسَد نظام العالَم، ولو نزل
القُرآن بما يرَوْن ويهوون، لفسدت السماوات والأرض ومَن فيهنَّ.
والذين يريدون أنْ يجري الحقُّ وفْق أهوائهم حَمقَى لا يندبون لمكرمة، ولا يُسأَلون (بالبناء للمجهول) مَحمَدة، طالما ظلُّوا عبيدَ الهوى وأسرى الشَّهوات.
والرسولُ - صلَّى
الله عليه وسلَّم - بكلِّ ما جاء به يريدُ أنْ يفصم العُرَى التي تشدُّهم
إلى الشَّهوات والأهواء، وهو حِين يُذكِّرهم الرَّحِم، ويسأَلُهم المودَّة
في القُربَى، إنما يُحرِّك كامنَ الخير، ويُثِير وشائج الدَّم الآسِن (الخامد) بين الجوانح؛ لعلَّه - إنْ نجح في إثارة الكوامن - أنْ يستَنقِذهم من نير الهوى وأغلال الشهوة، وإسار التقاليد.
وبذرة الخير كامنةٌ
في كلِّ بني الإنسان، فإنْ تُعهِّدت برِفق وأولِيَتْ حتى ترقَّ وتنفلق،
أينعَتْ وازدَهرتْ، وأثمرتِ الخيرَ الغامر الذي يعمُّ مَرافِق الحياة
وجوانب المجتمع.
وابتِغاء هذا كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُناشِدهم الرَّحمة ويسأَلُهم المودَّة، ويُمنِّيهم بخير الدارين.
مفهوم الظرفية ﴿ فِي الْقُرْبَى ﴾:
وإذا رجعنا البصر في الآية الكريمة ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23]، تبيَّنَّا أنَّنا أمام أسلوبٍ فريدٍ جُعِلتْ فيه كلمة (القُربَى) ظرفًا للمودَّة، والمُتَتبِّع لاستعمالات كلمة (القُربَى) في القُرآن يرى أنها لم تَرِدْ إلا مسبوقةً بمضافٍ هو (ذو) منصوبة أو مجرورة، مفردة أو مجموعة أو مسبوقة بـ(أولو) مرفوعة أو منصوبة، وتستحضر مثل قول الله؛ ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ... ﴾ [الإسراء: 26]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النحل: 90]، ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى ﴾ [البقرة: 177]، ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى ﴾ [النساء: 8]، ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى... ﴾ [التوبة: 113] إلخ.
إذًا لماذا انفَردتْ آيتُنا بهذا الاستعمال؟ ولِمَ سُبِقتْ كلمة ﴿ القُربَى ﴾ هنا بالظرف ﴿ في ﴾ الذي أفاد أنَّ القرابة وعاءٌ للمودة؟ وهلاَّ قيل: إلا المودَّة لذي القُربَى أو لذَوِي القرابة؛ حتى يلتقي التعبير مع سائر المواقع الأخرى؟
لا ريب أنَّ وَراء
هذا الاستعمالِ الفريد سرًّا؛ فالقرآن المُعجِز يفرد الكَلِم بميزان
ويجمَعُها بميزان، ويُضِيف بميزان ويُجرِّد بميزان، ويُعرِّف بميزان
ويُنكِّر بميزان، ويجرُّ الكلمة بقدر ويجعلها ظرفًا ومظروفًا بقدر، ونرجو
أنْ نَتدارَس في العدد القادم أمرَ هذا التعبير الفريد - إنْ شاء الله.
[1] أرواح من نفحات ﴿ تَبَّتْ يَدَا ﴾ [المسد: 1] تدحَضُ الفِرَى (جمع فرية)، وتُؤكِّد أنَّ الإسلام دِين حَياةٍ تقومُ على العدالة والإحسان، والفُرصة المتكافئة.
[2] تمكَّن واحتلَّ.
[3] ذروة الجبل: أعلاه.
[4] الجادَّة: الطريق.
[5] التِّرياق: الدواء.
[6] الحسبَنَة: كلمة (حسبُنا الله).
[7]
(مَن اتَّبعك) معطوفة على لفظ الجلالة، ولا يقدح هذا في حقيقة التوكُّل؛
لأن المؤمنين أداة من أدوات نصرة الله لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
وذُكِروا على سبيل الامتنان والتبصير بنعمة الله الماثلة، متمثِّلة في
المؤمنين.
[8] لا يتكلَّفون بذلاً، ولا يتحمَّلون مغارم، بل هم الغانمون الظافرون.
- ǤЄИЄRÂĿ $Â$Ø3Â
- عدد المساهمات : 168
تاريخ التسجيل : 16/02/2013
تاريخ الميلاد : 21/02/1997
المزاج : good
نقاط النشاط : 4470
السٌّمعَة : 0
العمر : 27
رد: سلسلة / نفحات قرآنية (19)
16/02/13, 10:31 pm
چزآگ آلله گل خير آخي آلگريم
رد: سلسلة / نفحات قرآنية (19)
16/02/13, 11:20 pm
مآ شآء آلله سلمت آيآديگ على موضوگ آلمميز و چعلهآ في ميزآن حسنآتگ
- فارس التطوير
- عدد المساهمات : 313
تاريخ التسجيل : 27/01/2013
تاريخ الميلاد : 14/10/1990
المزاج : رايق
نقاط النشاط : 4646
السٌّمعَة : 0
العمر : 34
رد: سلسلة / نفحات قرآنية (19)
17/02/13, 03:54 pm
سلمت آنآملگ آخي آلگريم شگرآ لگ لموضوعگ آلمميز
رد: سلسلة / نفحات قرآنية (19)
06/05/15, 11:20 am
دائما متميزون في الاختيار
سلمتم على روعه طرحكم
نترقب المزيد من جديدكم الرائع
دمتم ودام لنا روعة مواضيعكم
اخوكم انور ابو البصل
سلمتم على روعه طرحكم
نترقب المزيد من جديدكم الرائع
دمتم ودام لنا روعة مواضيعكم
اخوكم انور ابو البصل
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى