قصة : لحظة دفء السيد إبراهيم أحمد
01/12/12, 07:14 pm
قصة :
لحظة دفء
السيد إبراهيم أحمد
... خلت الشوارع الأسفلتية فى قلب المدينة من المارة ..برودة منتصف ليل ديسمبر تشيع فى الأشياء. السيارات تمرق كالسهام يغريها فراغ الأماكن وغياب رجل المرور ، أخذتْ تمشى على عجلةٍ من أمرها بينما كانت تتدثر بمعطف أسود كثيف الفراء ، بيدها حقيبةٍ صغيرة .. أصداء اطارات العربات فى الشوارع الجانبية تصب ف أذنيها . البرودة المتسلقة الى ساقيها العاريتين أحسستها بخطأ تسرعها فى قرارها المتعجل بمغادرة منزلها سريعاً .. سيارة تنسل من جانبها، تعتلى الرصيف . أخذتْ تسير محتمية بالمحلات المغلقة .. يرودة منزلها ساعدتها فى مغادرة كل شىء ، رنين صوته الناعم مازال طنينه بأذنيها : لكِ ما تريدين ، افعلى ما شئتِ .. رفعت يمناها فى ثورة كأنه أمامها ، صوت السيارات ذكرها بالشارع، تهندم غطاء شعرها ..أريده غير هذا ، حتى الآن لم يغزُنى ، بينما صار هو مُبرداً كبيراً ، كل شىء فيه بارد بارد . هكذا كانت تصرخ فى وجه محاولات أمها الفاشلة لتجميله لها وبسعادة ورفاهية ما تعيش فيه .. الأنوار الباهرة حيناً والخافتة تترك أثرها الضعبف على الأرصفة وصفحات الشوارع ، خطواتها تنتقل بسرعة من عامود انارة الى آخر ، رفعت رأسها تستطلع نهاية الشارع ، مايزال الطريق طويلاً بعض الشىء حتى تصل الى الميدان ، نسمة هواء باردة تمر على وجهها وساقيها أشعرتها بحاجتها الأكيدة الى الدفء الذى تشتاقه وتحلم به فى مثل برد هذا الليل القارس .. لكنه ليس ساخناً . هكذا تفوهت رغماً عنها بصوت شبه مسموعٍ لها ، تلفتت حولها فى ذهول ، هزت رأسها مؤكدةً لنفسها بأن أحداً لم يسمعها، نزلت من فوق الرصيف ، ها قد لاحت أضواء الميدان لها بينما الشارع يعلن عن نهايته ، كادت تتنفس الصعداء لولا أن شعور بالرعب يتملكها فجأة . تراه واقفاً فى قلب الميدان تماماً.تجمدت أوصالها ، مازال طربوشه يمتطى صهوة رأسه ، ومايزال منتصباً فى شموخ ، يسراه بجانبه واليمنى تشير سبابتها الى الأرض فى لهجة آمرة حازمة ، يتوسط وجهه عينين ناريتين تحتهما أنف مدبب أشم ، تقدمت نحوه خطيات و قدمها اليمنى تصعد بخوف الرصيف الدائرى للحديقة المحيطة به ، تواصل التقدم بوجل نحو القاعدة التى تحمله . فاجأتها سبابته الآمرة التى سيطرت على بصرها ، فجثت على ركبتيها مرتعدة .تتأمل شاربه الغزير الذى يحتل تقريباً نصف فمه الجميل . غزاها بصوته الجهورى ساخطاً ، بكت .. تلذذتْ ببكائها ، صرخ فى جوانبها صرخة رتبت كل الأشياء بداخلها ، اللمبات الفلورسنتية الصفراء المتوهجة تصب أضوائها العمودية فوق حلته الخضراء الداكنة الجرانيتية . تنسكب على جسدها . تشعرها بدفء طالما تاقت لمثله من زمنٍ بعيد، تتحسس حجراً صلداً مغروساً فى أرض الحديقة شبه المبتل ، تتفرس بركن عينيها تجاعيد وجهه . تلذذت بقسوته . أحست بلطمة عنيفة حينما احتوت نظراتها يده القوية ذات العروق النافرة ، راحت تبكى بكاءاً مُراً ، استعذبت جبروته وضعفها ، واعراضه والحاحها . بدرت منها أنة استعطاف ، لكنه لم يأبه لها ..
برودة العشب الأخضر الذى غافلها وسرى فى ركبتيها ، أعاد الى مسامعها وقع خطوات المارة البعيدة وهدير السيارات التى لا تمنح الميدان ولا صاحبه وقتاًً للراحة والهدوء ، قامت منهكة القوى . أعطته ظهرها ، لم تنظر اليه ؛ تخشى من مجرد النظر اليه ، لا تقوى عليه ، غير انها استجمعت كل شجاعتها وقوتها وأدارت رأسها ونظرت اليه دون أن تحرك كل جسمها .
ما تزال سبابته الآمرة تشير اليها . تبتعد ، غادرت الحديقة ، هبطت الى الشارع البارد فى خطوات متعبةٍ كسولة ، سارت مطرقة الرأس وصوته مازال يملاء جنباتها ، راحت تعدو مسرعةً وصوت كعبها الخشبى يتردد صداه بين فراغات الأبنية الشاهقة ، بينما فرحةٌ غامرة طاغية مجنونة تسود جسدها وقلبها بعد أن ظفرت بلحظة دفء طالما تاقت اليها وتمنتها من زمنٍ بعيــــــــد .....
لحظة دفء
السيد إبراهيم أحمد
... خلت الشوارع الأسفلتية فى قلب المدينة من المارة ..برودة منتصف ليل ديسمبر تشيع فى الأشياء. السيارات تمرق كالسهام يغريها فراغ الأماكن وغياب رجل المرور ، أخذتْ تمشى على عجلةٍ من أمرها بينما كانت تتدثر بمعطف أسود كثيف الفراء ، بيدها حقيبةٍ صغيرة .. أصداء اطارات العربات فى الشوارع الجانبية تصب ف أذنيها . البرودة المتسلقة الى ساقيها العاريتين أحسستها بخطأ تسرعها فى قرارها المتعجل بمغادرة منزلها سريعاً .. سيارة تنسل من جانبها، تعتلى الرصيف . أخذتْ تسير محتمية بالمحلات المغلقة .. يرودة منزلها ساعدتها فى مغادرة كل شىء ، رنين صوته الناعم مازال طنينه بأذنيها : لكِ ما تريدين ، افعلى ما شئتِ .. رفعت يمناها فى ثورة كأنه أمامها ، صوت السيارات ذكرها بالشارع، تهندم غطاء شعرها ..أريده غير هذا ، حتى الآن لم يغزُنى ، بينما صار هو مُبرداً كبيراً ، كل شىء فيه بارد بارد . هكذا كانت تصرخ فى وجه محاولات أمها الفاشلة لتجميله لها وبسعادة ورفاهية ما تعيش فيه .. الأنوار الباهرة حيناً والخافتة تترك أثرها الضعبف على الأرصفة وصفحات الشوارع ، خطواتها تنتقل بسرعة من عامود انارة الى آخر ، رفعت رأسها تستطلع نهاية الشارع ، مايزال الطريق طويلاً بعض الشىء حتى تصل الى الميدان ، نسمة هواء باردة تمر على وجهها وساقيها أشعرتها بحاجتها الأكيدة الى الدفء الذى تشتاقه وتحلم به فى مثل برد هذا الليل القارس .. لكنه ليس ساخناً . هكذا تفوهت رغماً عنها بصوت شبه مسموعٍ لها ، تلفتت حولها فى ذهول ، هزت رأسها مؤكدةً لنفسها بأن أحداً لم يسمعها، نزلت من فوق الرصيف ، ها قد لاحت أضواء الميدان لها بينما الشارع يعلن عن نهايته ، كادت تتنفس الصعداء لولا أن شعور بالرعب يتملكها فجأة . تراه واقفاً فى قلب الميدان تماماً.تجمدت أوصالها ، مازال طربوشه يمتطى صهوة رأسه ، ومايزال منتصباً فى شموخ ، يسراه بجانبه واليمنى تشير سبابتها الى الأرض فى لهجة آمرة حازمة ، يتوسط وجهه عينين ناريتين تحتهما أنف مدبب أشم ، تقدمت نحوه خطيات و قدمها اليمنى تصعد بخوف الرصيف الدائرى للحديقة المحيطة به ، تواصل التقدم بوجل نحو القاعدة التى تحمله . فاجأتها سبابته الآمرة التى سيطرت على بصرها ، فجثت على ركبتيها مرتعدة .تتأمل شاربه الغزير الذى يحتل تقريباً نصف فمه الجميل . غزاها بصوته الجهورى ساخطاً ، بكت .. تلذذتْ ببكائها ، صرخ فى جوانبها صرخة رتبت كل الأشياء بداخلها ، اللمبات الفلورسنتية الصفراء المتوهجة تصب أضوائها العمودية فوق حلته الخضراء الداكنة الجرانيتية . تنسكب على جسدها . تشعرها بدفء طالما تاقت لمثله من زمنٍ بعيد، تتحسس حجراً صلداً مغروساً فى أرض الحديقة شبه المبتل ، تتفرس بركن عينيها تجاعيد وجهه . تلذذت بقسوته . أحست بلطمة عنيفة حينما احتوت نظراتها يده القوية ذات العروق النافرة ، راحت تبكى بكاءاً مُراً ، استعذبت جبروته وضعفها ، واعراضه والحاحها . بدرت منها أنة استعطاف ، لكنه لم يأبه لها ..
برودة العشب الأخضر الذى غافلها وسرى فى ركبتيها ، أعاد الى مسامعها وقع خطوات المارة البعيدة وهدير السيارات التى لا تمنح الميدان ولا صاحبه وقتاًً للراحة والهدوء ، قامت منهكة القوى . أعطته ظهرها ، لم تنظر اليه ؛ تخشى من مجرد النظر اليه ، لا تقوى عليه ، غير انها استجمعت كل شجاعتها وقوتها وأدارت رأسها ونظرت اليه دون أن تحرك كل جسمها .
ما تزال سبابته الآمرة تشير اليها . تبتعد ، غادرت الحديقة ، هبطت الى الشارع البارد فى خطوات متعبةٍ كسولة ، سارت مطرقة الرأس وصوته مازال يملاء جنباتها ، راحت تعدو مسرعةً وصوت كعبها الخشبى يتردد صداه بين فراغات الأبنية الشاهقة ، بينما فرحةٌ غامرة طاغية مجنونة تسود جسدها وقلبها بعد أن ظفرت بلحظة دفء طالما تاقت اليها وتمنتها من زمنٍ بعيــــــــد .....
- !! الغامض !!
- عدد المساهمات : 2492
تاريخ التسجيل : 23/09/2012
تاريخ الميلاد : 20/10/1997
المزاج : رايق
نقاط النشاط : 17413
السٌّمعَة : 0
العمر : 27
رد: قصة : لحظة دفء السيد إبراهيم أحمد
01/12/12, 10:57 pm
شكرآ جزيلا على الموضوع الرائع و المميز
واصل تالقك معنا في المنتدى
بارك الله فيك اخي ...
ننتظر منك الكثير من خلال ابداعاتك المميزة
لك منـــــــ اجمل تحية ــــــــــي
- سحابه
- عدد المساهمات : 198
تاريخ التسجيل : 07/12/2012
تاريخ الميلاد : 10/10/1999
المزاج : مبسوطه
نقاط النشاط : 4622
السٌّمعَة : 0
العمر : 25
رد: قصة : لحظة دفء السيد إبراهيم أحمد
07/12/12, 08:31 am
طرح رائع
سلمت يداك
في انتظار ابداعك القادم
لك تحياتي
سلمت يداك
في انتظار ابداعك القادم
لك تحياتي
- AdM!n
- عدد المساهمات : 1076
تاريخ التسجيل : 28/08/2012
نقاط النشاط : 5562
السٌّمعَة : 0
رد: قصة : لحظة دفء السيد إبراهيم أحمد
07/12/12, 02:30 pm
مآ شآء آلله سلمت آيآديگ على موضوگ آلمميز و چعلهآ في ميزآن حسنآتگ
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى